أقنعَتني أمّي أنني قبيحة!

لطالما كانت أمّي فائقة الجمال. وبعد أن تدفّق المعجبين إلى باب أهلها، إختارَت أبي لا لِوسامته بل لماله. و هكذا، شكّلا ثنائي مميّز في المجتمع. قضَت وقتها في التسوّق والبحث عن جميع السبل لإضافة الجمال والأناقة إلى نفسها، حتى أن حملَت بي. ضربها اليأس لأنّ قوامها تغيّر وزاد وزنها ولعنَت الساعة التي وُجِدتُ بها. فبالنسبة لها، كنتُ السبب بما أصابها وإنتظرَت بفارغ الصبر أن أُولد لتستعيد حياتها مجدها السابق. إنتظرَت أيضاً أن أكون جميلة ليكون لصبرها معنى ولكنّها رأَت فيّ ملامح أبي العاديّة وخاب أملها جدّاً. وعندما نظرَت إليّ لأوّل مرّة قيل لي أنّها صرخَت للمرضة:

 

- هناك خطأ! هذه ليست إبنتي!

 

وطلبَت منها أن يأخذوني بعيداً عنها. لا أدري إن كانت قباحتي سبب توظيف مربيّة أو أنّ والدتي لم تكن تنوي الإعتناء بطفل ولكن أميرة هي التي رافقَتني سنيناً طويلة وأشكرها على ذلك، فلولا وجودها لكبرتُ وحيدة بين أمّ أنانيّة وأب كثير الإنشغال. وعادَت أمّي إلى حياتها السابقة تقضي وقتها في التسوّق وزيارة الأصدقاء وكأنّني لم أكن فعلاً موجودة. وكلّما جاء أحد لرؤيتي، كان يصيبها الحزن وتهزّ رأسها بأسف. وكبرتُ أتجنّب النظر في المرآة لكي لا أرى صورتي. وبدأتُ أكّن لوالدتي إعجاب عميق لكل ما تمثّله من روعة وكمال، فعبدتُها وكأنّها إلهة رغم أنّها جعلَت منّي شبحاً لا قيمة ولا وجود فعلي له.
وعندما أصبحتُ في سنّ المراهقة تركتنا أميرة لتعود إلى بلدتها، فقرّرت والدتي أن ترسلني إلى مدرسة داخليّة لكي لا تضطر إلى الإهتمام بي. أمّا أبي فكان يوافق على كل قراراتها، أوّلاً لأنّه كان يحبّها كثيراً وثانياً لكيّ يتجنّب أي تصادم معها، فكان بإمكانها أن تكون قاسية جدّاً ومؤذية. فأخذتُ بعض الأغراض الخاصة وذهبتُ إلى المنفى المقرّر لي. أحببتُ المدرسة ومعلّميها وتلاميذها وشعرتُ هناك أنّنا كلنا سواء وأن الشكل الخارجي لم يكن مهماً خاصة أنّنا لم نكن نخرج سوى لنذهب إلى البيت في نهاية الأسبوع. وعندما كنتُ أعود لأهلي، كنتُ أفعل ذلك رغماً عنّي وأنتظر بفارغ الصبر لحظة رجوعي إلى المؤسسة. هناك كنتُ أساعد رفيقاتي الأصغر سنّاَ منّي بإنجاز دروسهم وأواسي اللواتي كانت تعاني من الوحدة، حتى أن أصبحتُ معروفة بال "المرشدة الإجتماعيّة". وعند المساء، كانت غرفتي تمتلئ بالفتيات ونقضي السهرة نتكلّم عن مشاكلهنّ ونحاول إيجاد الحلول المناسبة. وبعد فترة نصحَتني المديرة بأن أختار لاحقاً إختصاصاً جامعي يتعلّق بالتعليم أو التربية أو حتى بِعلم النفس لأنّني كنتُ موهوبة بهذه المجالات. ولكنني لم أجد مَن أشكي له ممّا أعانيه مع والديّ وأبقيتُ لنفسي أمر عذابي. وفي سنّ الثامنة عشر عدتُ نهائيّاً إلى البيت ونظرَت إليّ أمّي وقالت لي بأسف:

 

- يا إلهي... لم تتحسّن حالتكِ قط... على كل الأحوال أصبح هناك حلول...

 

وكانت تقصد بذلك الجراحة التجميليّة. فأخذَتني إلى جرّاح مشهور وعرضَتني عليه قائلة:

 

- ها هي... أيُعقل أن تكون هذه إبنتي؟ أرجوك أن تفعل اللازم... المال ليس مشكلة.

 

عندها نظرَ إليّ الطبيب بتعجّب وأجاب:

 

- ولكن يا سيّدتي... لا يلزمها جراحة... فتكاوينها منسّقة ورقيقة وأنفها رفيع وخدودها عالية... ماذا تريدينني أن أفعل؟

 

- أنتَ تمزح حتماً!

 

- سيّدتي... إن كانت إبنتكِ لا تشبهكِ، هذا لا يعني أنّها ليست جميلة! فالجمال أنواع وأشكال. أنا آسف ولكنّني لن ألمسها.

 

غضبَت والدتي منه وأخذَتني بِيَدي وخرجنا بسرعة من عيادته. ونحن في المصعد نظرَت إليّ وقالت:

 

- هذا الطبيب أعمى! سآخذكِ عند آخر. لن أترككِ هكذا أيّتها المسكينة!

 

كان بودّي أن أجاوبها وأطلب منها أن تدعني وشأني ولكنّني لم أجرؤ، فذهبتُ معها عند جرّاح قالوا لها أنّه الأفضل في الشرق كلّه. وجرى عنده نفس الحديث، فهو أيضاً لم يرى أي ضرورة لتغيير شكلي. عندها أُصيبت أمّي بالهيستيريا وبدأت تصرخ:

 

- هل جميعكم عديمي البصر؟ البِنت قبيحة!

 

- سيّدتي... أظنّ أنّكِ الوحيدة في العالم التي ترينها قبيحة والسبب حتماً شخصيّاً جداً...

 

وفي تلك اللحظة أخذتُ مرآة الجراح ونظرتُ إلى نفسي ورأيتُ فتاة لم أرها من قبل. أدركتُ حقيقة ما كان يجري منذ ولادتي وربما قبل ذلك. خرجتُ فوراً من العيادة تاركة أمّي هناك وبدأتُ أركض في الشارع وأنا أبكي. قصدتُ مكتب أبي ودخلتُ عليه سائلة:

 

- أبي... هل أنا قبيحة؟

 

- لا أدري يا حبيبتي... إسألي أمّكِ.

 

- أسألك أنتَ...

 

- تقول أمّكِ أنّكِ تشبهينني وتقول أيضاً أنني لستُ وسيماً فأظنّ أنّكِ مثلي... غير جميلة.

 

- أيّ أب يقول هذا لإبنته خاصة إن كان هذا غير صحيحاً؟ ماذا فعلتُ لأستحقّ هكذا أهل؟!؟

 

وبعد أقلّ من شهر، طلبتُ من والديّ أن أُرسل إلى جامعة خارج البلاد لأدرس علم النفس كما نصحَتني المديرة ولأفهم دوافع أمّي وأسباب تصرّفاتها ربما لأجد لها أعذاراً وعدم كرهها إلى الأبد. قبِلوا معي فوراً وسافرتُ إلى فرنسا وتسجّلتُ في الكليّة. وكان أحد زملائي يهوى التصوير، فطلَبَ منّي الإذن بإلتقاط صور لي لكيّ يتمكّن بالإشتراك في مسابقة تنظّمها مجلّة فرنسيّة مشهورة. قبلتُ مساعدته وصوَّرَني في أحياء باريس القديمة وأسمى ألبومه: "شرقيّة في باريس". ولم أتوقّع أبداً أن يفوز زميلي بالجائزة الأولى وأن يضعوا صورتي على غلاف مجلّة عالميّة. شعرتُ بفخر كبير بعد أن قضيتُ كامل حياتي أختبئ لكي لا يراني أحد وأوّل شيء فعلتُه كان إرسال نسخة من المجلّة لأمّي وكأنني بهذا أثبتُ لها أنّ العالم يرى فيّ أكثر مما هي فعلَت. وفي اليوم التالي إتصلَت بي ومِن صوتها بدَت فرحة جدّاً:

 

- حبيبتي! كم أنا مسرورة! كنتُ متأكدّة أنني سأنجب فتاة جميلة! جميلة مثلي...

 

- ولكنّكِ لطالما رددتِ أنني قبيحة مثل والدي...

 

- هذا كان مِن قبل...

 

- وما الذي تغيّر؟

 

- كل شيء! إشتقتُ إليكِ حبيبتي... متى ستعودين؟

 

- ليس قبل وقت طويل... لا تنتظريني.

 

لم اكن أريد حبّها أو تقديرها لي بعد ذلك الحين. أردتُ فقط أن أثبتَ لها أنّني إنسانة مرغوبة وأنّها الوحيدة التي رفضَتني ولكنّني لم أكن مستعدّة أن أرجع لها وأن تستعملني لإرضاء غرورها. كانت قد إنتهَت سلطتها عليّ وأصبحتُ إمرأة حرّة أنتظر بفارغ الصبر أن أبدأ حياة جديدة.

 

حاورتها بولا جهشان.

المزيد
back to top button