كنتُ ما زلتُ تلميذة جامعيّة ولم يكن لي أي خبرة في الحياة، ولم أكن أعلم كيفيّة التعاطي مع الأحداث التي حصلت لي. ولو لم أصادف شخصاً محبّاً ربّما كنتُ وقعتُ في مأزق كبير.
حدث ذلك في بداية السنة الأولى في كليّة الآداب وكنتُ سعيدة جداً أنني أصبحتُ راشدة ودخلتُ إلى عالم الكبار. وكنتُ أيضاً من الفتيات الجميلات وهذا الأمر وفّرَ لي سهولة الإنتماء والإختلاط. إختياري للآداب سببه حبّي للقراءة وأمنيتي أن أصبح يوماً كاتبة مشهورة يقرأني العديد من الناس في كل أنحاء العالم. ففرحتُ كثيراً لوجود أستاذ كان قد أصدر عدداً من الكتب والمقالات وإشتهر برومانسيّته وشعره الأخّاذ. وكانت كل رفيقاتي مغرومة به إلا أنا لأنّه كان أكبر منّا بكثير ومتزوّج. كل ما كان يهمّني هو أن يعلّمني كيف أصبح مثله.
أمّا هو فأعجبَ بي لأنني تجاهلتُ نظراته وتلميحاته وأخذ يركّز عليّ أكثر من باقي التلاميذ الأمر الذي أثار غيرة فتيات صفّي وأصبحتُ محط أقاويل عديدة حاولتُ إسكاتها ولكن سدىً. والذي عزّز تلك الشائعات هو أنني كنتُ أذهبُ دائماً إلى مكتبه لأستفسر عن درس أو مقالة وكان هو يبقيني مطوّلاً ويجعلني أنتظر حتى رحيل جميع التلامذة ليهتمّ بي. وبقيتُ لا ألاحظُ شيئاً حتى اليوم الذي أدخلني إلى مكتبه وأغلق الباب وراءه وقال لي:
- راغدة... مرّ يومان ولم تأتي إليّ... لقد إشتقتُ إليكِ كثيراً... لا أريدكِ أن تغيبي عنّي هكذا مجدداً... أفهمتِ؟
- عذراً أستاذ منير ولكنني لا أفهم قصدكَ!
- بل فهمتِ جيّداً... أنتِ فتاة لعوبة وأنا متأكدّ أنّكِ تلهين معي كالقطّة مع الفأر... وأحبّ ذلك... ولكن طالَت اللعبة وحان الوقت لكي....
- لكي ماذا؟
وقبل أن أستوعب ما يحصل مسكَني بكتفيّ وقبّلني بقوة على فمي. إستطعتُ التخلّص من عناقه بصعوبة وصرختُ به:
- هل فقدتَ عقلكَ؟
- ألم تحبّي قُبلتي؟
- أبداً! وأنصحكَ بألا تفعل هذا مجدّداً!
وخرجتُ بسرعة من مكتبه وأنا أغلي غضباً. لماذا إعتقد أنّ هذا ما أريده مع أني لم أعِره أي إهتمام خاص؟ هل أنا المخطئة أم هو الذي يعتقدُ أن كل النساء متاحة له؟
قررتُ عدم إخبار أحد بما حصل وكانت هذه غلطة كبيرة.
إعتقدتُ أنّه فَهمَ أنني لا أريده وقبِلَ بالأمر خاصة أنّ العديد من زميلاتي كانت مستعدّة لتقبيله وربما فعل ما هو أكثر من ذلك معه ولكنني كنتُ قد جرحتُ كبرياءه برفضه هكذا. وقرّر الإنتقام منّي أوّلاً خلال حصصه حيث بدأ يتجاهلني تماماً بعدم الردّ على أسئلتي وثانية بتقليص علاماتي. وعندما سألته عن السبب قال لي:
- لأنكِ بكل بساطة لستِ فالحة. هذه هي العلامات التي تستحقّينها.
ولكن كنتُ أعلم أنّ هذه طريقته للثأر منّي وبتُّ محتارة بأمري. ولاحظتُ لاحقاً أن باقي الأساتذة بدأوا يتفادوني وكأنني مصابة بمرض معدي وكلّما ذهبتُ إلى مكتب أحدهم للإرشاد كانوا يختلقون الأعذار لعدم إستقبالي. وهذا الأمر أثّر سلبياً على مجمل أدائي في الجامعة وأوشكتُ على الرسوب.
وعندما أصبح الأمر لا يطاق ذهبتُ إلى مكتب الأستاذ منير وطلبتُ منه الكفّ عمّا كان يفعله وهددتُه بتقديم شكوى ضدّه عند مدير الجامعة. ضحِكَ عند سماع هذا وقال لي:
- يا مسكينة... صحيح أنكم ما زلتم أولاداً... هل تعتقدين أنّكِ قادرة على أذيّتي؟ أنا أستاذ محترم وأنتِ فتاة يافعة ومغرورة. سأقول أنكِ غاضبة منّي لأنني رفضتُ ممارسة الجنس معك مقابل علامات عالية... على كل حال إستبقتُ الأمر وأخبرتُ جميع زملائي أنّكِ تلميذة يجب تفاديها وإلا تسببتِ بمشاكل لهم. إذهبي الآن وأنصحكِ بتغيير إختصاصكِ لأنني سأجعل من حياتكِ جحيماً.
خرجتُ مذلولة وبدأتُ بالبكاء وفي هذه اللحظة مرّت من قربي أستاذة العلم النفسي وقررَت الإستفسار عن سبب تعاستي:
- تعالي معي.
وأخذتني إلى الكافيتيريا وأجبرتني على إخبارها كل شيء.
سكتَت لفترة ثم قالت:
- كان لديّ شكوك بأنّ هذه الأمور تحصل في قسمنا ولكن لا أحد تجرّأ وحكى. إسمعيني... أنا أفهم الناس فهذا إختصاصي وأعرفُ تماماً أي نوع من الرجال هو منير ولن يتوقّف إلا إذا شهِدَ أحد ضدّه. تقولين أنّكِ تفكّرين بترك الكليّة يعني هذا أنّه لن يعد لكِ شيئاً تخسرينه. كوني شجاعة وضعي أنتِ حدّاً لتصرفاتهِ. سأساندكِ قدر المستطاع فلن أدعكِ تواجهين الجميع لوحدكِ. فكّري بالأمر وعودي إليّ بجواب.
كان بإمكاني ترك الكليّة ونسيان الأمر ولكنني رفضتُ التخلّي عن إختصاص أحبّه وعن كرامتي فإذا قبلتُ أن أكون ضحيّة اليوم سأبقى ضحيّة لباقي حياتي. ذهبتُ مع تلك الأساذة لرؤية المدير وأخبرناه كل شيء وعندما بدأ التحقيق تشجّعَت فتيات أخريات وإشتكَت أيضاً عليه فأنا لم أكن الوحيدة التي تحرّش بها. وقرّرَت الإدارة فصله وعدم إعطاءه مكتوب توصية فرحلّ مذلولاً. أمّا أنا فعدتُ إلى الصف وسط صفيق زملائي وتابعتُ دراستي وها أنا اليوم على وشّك إصدار روايتي الأولى.
حاورتها بولا جهشان