تعرّفتُ إلى رجل يصغرني بثلاثين سنة

بالطبع كنتُ أعلم أنّ إياد لم يكن يحبّني ولكن الوضع كان يناسبني، فعندما تكون إمرأة في الستّين من عمرها، لن يحبّها رجل في الثلاثين من عمره. كانت مسألة عرض وطلب، فأنا كنتُ بحاجة إلى رجل قويّ وشاب ووسيم وهو إلى من يهتمّ به، خاصة من الناحية الماليّة. وكان المرحوم زوجي قد تركَ لي شقّة وحساباً في المصرف ومعاشاً شهرياً يكفيني لأعيش من دون أن أحتاج إلى صرف المال المجمّد. قضيتُ سبع سنين وحيدة بعد وفاته، خاصة أنّنا لم ننجب وشعرتُ بملل سبّب لي الإكتئاب.

ولكنّني لم أتخيّل أنّني سأتعرّف إلى رجل، فالفكرة كانت بعيدة كل البعد عن خيالي، خاصة أنّ الرجال الشرقيين على عكس الأوروبيّين أو الأميركيين يفتّشون عن النساء الشابات حتى لو كانوا أصبحوا هم شيوخاً. وشاءَت الظروف أن ألتقي بإياد خلال عشاء نظّمَته جمعيّة خيريّة أنتمي إليها وكان هو مدير الصالة آنذاك. جاء إليّ عندما كنتُ عائدة من الحمّام وسألَني إن كان كل شيء حسب توقّعاتي، فأجبتُه بأنّني لستُ مديرة الجمعيّة. فأضاف:

 

- أعلم... أعرف السيّدة هناء جيّداً... سألتُكِ لأنّكِ سيّدة أنيقة و... جذّابة و... لم أجد سوى تلك الطريقة لأتكلّم معكِ... أعذري وقاحتي ولكنّني خشيتُ أن ينتهي العشاء وترحلي دون أن أعبّر عن إعجابي بكِ.

 

أنا أكيدة أنّ وجهي إحمرّ بعد هكذا إطراء وإرباكي كان واضحاً، خاصة عندما لم أجد جواباً مناسباً فسكتتُ. عندها قال إياد:

- من الواضح أنّ كلامي قد أزعجَكِ... ربّما لأنّكِ متزوّجة أو...

 

- لا! لا... لستُ متزوّجة بل أرملة وليس هناك أحد في حياتي.

 

- ولكنّكِ إنزعجتِ منّي.

 

- أبداً... أنا لستُ معتادة على سماع هكذا كلام...

 

- إسمحي لي أن أعطيكِ رقم هاتفي... لن أطلبَ رقمكِ... سأتركِ لكِ حرية القرار... ولكن إعلمي أنّني سأكون أسعد رجل في العالم إذا قررتِ الإتصال بي.

 

- حسناً... ولكن... فرق العمر... سأرى... لا أعدُك بشيء.

 

- العمر ليس سوى رقم... لا تنسي ذلك.

 

أخذتُ رقمه وعدتُ إلى طاولتي وبدأَت باقي النساء تضحك وقالت لي إحداهنّ:

- ذهبتِ لتغسلي يديكِ وعدتِ بمعجب... هنيئاً لكِ!

 

- لا... ليس الأمر كما يبدو... أخذتُ رقم المطعم في حال أردتُ إقامة عشاء فالطعام لذيذ هنا...

 

ولكنّني شعرتُ أنهنّ لم تصدقني وحاولتُ عدم النظر إلى إياد حتى نهاية الجلسة ثم رحلتُ. وبعد التفكير مليّاً قررتُ أن أتّصل به وأن أعرض عليه أن نكون مجرّد أصدقاء، لأنّني في ذلك الحين لم أكن مستعدّة للقيام بأيّة علاقة غراميّة. وقَبِلَ عرضي وحدّدنا موعداً لكي نلتقي على فنجان من القهوة. ورغم تصميمي على إبقاء العلاقة وديّة فقط عملتُ على إختيار فستاناً جميلاً ومغرياً لذلك اللقاء وعندما رآني قادمة إلى المقهى أبدى إعجابه الشديد بمظهري قائلاً:

 

- أنا أكيد أنّكِ كذبتِ عليّ عندما قلتِ أنّكِ أكبر مني!

 

وإستمتعتُ بالجلسة كثيراً. ضحكنا وتكلّمنا عن أمور عديدة ونسيتُ سنّي ومللي وحياتي العاديّة. فعندما عرضَ عليّ موعداً آخراً قبلتُ فوراً. وبعد لقاءات عديدة أصبحنا عشاق بكل معنى الكلمة وبين ذراعيه تذكّرتُ أنني ما زلتُ إمرأة. وعندما كان يرحل من منزلي، كنتُ أشعر بالوحدة مجدّداً وبسنّي المتقدّم. فبدأتُ أحاول إيجاد طريقة لإبقائه إلى جانبي وبالطبع الحل الوحيد كان المال، فلم يكن لديّ أيّ وسيلة إقناع أخرى. هو لم يطلب شيء على الأقل في البدء. أنا كنتُ التي بدأتُ أشتري إهتمامه ووقته فإبتعتُ له ساعة جميلة وثمينة جدّاً في مناسبة عيد ميلاده. وعندما رآها صرخَ من الفرح وقال:

 

- لم أحلم يوماً أن أقتَني ساعة كهذه... كنتُ أراها في المجلات ولكن... شكراً حبيبتي!

 

كانت أوّل مرّة يقول لي "حبيبتي" فأدركتُ أنني وجدتُ الطريقة المناسبة لكسب ودّه على الأقل. وبدأتُ أشتري له الثياب الجميلة وألأحذية الأنيقة. في البدء كان يبدو مُحرجاً ولكنّه إعتاد على الوضع سريعاً حتى أن أصبحَ يقول لي دون تردّد ما الذي يحتاج إليه. لم يكن لديّ مانع في إعطائه المال ليحصل على مراده طالما بقيَ إلى جانبي يدلّعني ويتصرّف معي وكأنّه يعشقني. ولكن بعد فترة وبعد أن إمتلأت خزانته بالثياب والأحذية والكرافاتات الجديدة تغيّرَ معي. بدأ يغيب عنّي ويقدّم أعذاراً كلّما أبديتُ رغبتي بلقائه، فإنشغل بالي كثيراً وخفتُ أن يكون قد ملّ مني أو وجد فتاة من عمره. وبعد محاولات عديدة إستطعتُ رؤيته وسؤاله عن سبب تصرّفه هذا. فأجابني مُحرج:

- أنتِ لستِ السبب فأنتِ إمرأة رائعة... لديّ مشاكل... مشاكل كبيرة وهي التي تمنعني من رؤيتكِ... لا أريد أن أشغل بالكِ... يا ليتني لم أقل لكِ هذا... كم أنا غبيّ!

 

- لا... لا تقل هذا... أريد أن أعرف عن مشاكلكَ... فهي توثّر عليّ أيضاً... بسببها لم أعد أراك... أخبرني المزيد أرجوك!

 

- حسناً... إذا كنتِ مصرّة...

 

وأخبرَني أنّه يدين بمبلغ كبير لأناس لعِبَ معهم بالميسر ويهدّدون بإيذائه إن لم يعطهم حقّهم. قلتُ له بتعجّب:

- أنتَ تلعب بالميسر؟

 

- أجل... ومنذ ما تعرّفتُ إليكِ... أنتِ السبب!

 

- أنا؟

 

- أجل... أردتُ أن أجلبَ لكِ الهدايا الجميلة كما تفعلين معي ولكنّني فقير... والحلّ الوحيد بنظري كان اللعب... ولكنّني لا أجيد لعب الورق فبدأتُ أخسر المال والكثير منه على أمل الربح...

 

عندها قلتُ له دون تردّد:

- كم المبلغ؟ أنا سأعطيكَ إيّاه... لا أريد أن يؤذيكَ أحد... ولا أريد أن أكون أنا السبب.

 

و أعطيته المال وكان مبلغاً كبيراً وإضطررتُ إلى إستعمال رصيدي في المصرف وعدتُ أراه كالسابق وعادت لي فرحتي وسلوَتي. ولم يمرّ أكثر من ثلاثة أشهر على تلك الحادثة، حتى جاء إيّاد في ذات ليلة والدمعة في عينيه:

- جئتُ أودّعكِ... سامحيني ولكنّني عاودتُ لعب الميسر... لا تقاطعيني أرجوكِ... فعلتُ ذلك لأستطيع إرجاع مالكِ لكِ... وهؤلاء الناس يلاحقونني الآن ويريدون قتلي لأنني لعبتُ بمبالغ طائلة... سأتركُ البلد... لا أريدهم أن يهدّدونني بكِ أيضاً فأنا أخاف عليكِ كثيراً... لن أكتبَ لكِ ولن أقول لكِ أين أنا لكي لا تكوني في خطر... الوداع...

 

وحين سمعتُ هذا شعرتُ أنّ برحيله سأخسر السبب الوحيد الذي يجعلني أستفيق في الصباح، فقمتُ برهن منزلي على أمل أن يستعيده يوماً ما. ولكن بعد أن قبضَ المال إنقطعَت أخباره كليّاً حتى أنني ظننتُ أنّه لقيَ حتفه على يد تلك العصابة. وبعد فترة بدأتُ أفهم اللعبة ولكن كان قد فات الأوان ومن دون أي وسيلة للإتصال به أو إيجاده ذهبتُ إلى الشرطة وقدّمتُ شكوى ضدّه. وعندما سألوني عن إسمه بالكامل وعنوانه لم أستطع الإجابة لأنني لم أكن أعرف شيئاً عنه سوى أنّه يُدعى إياد وأنّه يسكن في ضواحي العاصمة. نظرَ إليّ الشرطي بتعجّب ثم سألَني عن سنّ عشيقي وعندما أجبتُه إبتسمَ وقال:

 

- الآن فهمتُ...

 

ولم يجدوه بالطبع وخسرتُ منزلي. أنا اليوم أعيش في شقّة صغيرة أدفع إيجارها من معاش زوجي. هذا كان قصاصي لأنّني أردتُ أن أشعر أنّني إمرأة وأنّ حياتي لم تنتهي فما زال بإمكاني أن أحِبّ وأن أُحَب.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button