هل سأستعيد منزلي بعد أن إستقرَّت به شقيقة زوجي؟

وأخيراً طلبَ منّي مروان أن أصبحَ زوجته بعدما إنتظرتُه سنوات حتى يستطيع شراء منزل وتأمين حياة كريمة لنا. حددنا موعد الزفاف وبقيَ لي ثلاثة أشهر لأهتمّ بالتفاصيل والتحضيرات. ولكن خلال هذه الفترة، إحترقَ منزل شقيقته بسبب إحتكاك في الكهرباء ووجدَت نفسها وعائلتها دون منزل، فعرَضَ عليهم مروان المكوث في منزلنا الجديد ريثما يجدون حلاً. وعندما أخبرَني خطيبي بالأمر، وجدتُ عرضه منطقيّ وكنتُ قد فعلتُ الشيء نفسه لو كنتُ مكانه. وإنتقلَت جومانا مع زوجها وولدَيها إلى البيت وذهبتُ لأساعدها على ترتيب أمتعتها. كنتُ أعرفها جيّداً وكنتُ أستلطفها وأعتبرها أختاً لي. وبِدورَها عرضَت عليّ مساعدتها في تحضيرات العرس وقبلتُ بسرور. إذاً كان كل شيء يسير بشكل جيّد حتى أن بدأ يقترب موعد الزفاف وجومانا ما زالت في البيت. كانت قد حاولَت مع زوجها إيجاد شقّة جديدة ولكنّهم لم يجدوا شيئاً مناسباً، خاصة بالنسبة لمدارس ولدَيهما. ومرّ الوقت وبدأ بالي ينشغل لأنّني لم أشعر أنّهم على وشك الرحيل. وكلّما كلّمتُ مروان بالأمر كان يجيب:

- لا تقلقي حبيبتي سيرحلون... أعطيهم بعض الوقت... إهتمّي أنتِ الزفاف وأنا سأهتمّ بالباقي.

كلامه كان جميلاً ولكنّه لم يطمئنني، خاصة أنّ العرس أتى ومنزلي ما زال مليئاً بهؤلاء الضيوف ومرّة أخرى حاولَ مروان تهدئتي:

- سيكون المنزل خالياً عند رجوعنا من شهر العسل.

ولكن عندما عدنا من اليونان، كانوا ما زالوا مكانهم. عندها صرختُ بزوجي:

- هل تستغبيني؟ ما العمل الآن؟ أريد منزلي! إنتظرتُه سنيناً وأريد إسترجاعه وفوراً!

- تردينني أن أطردَ شقيقتي؟

- إفعل ما تريد طالما أرى بيتي فارغاً. قل لهم أن يذهبوا إلى الفندق أو أن يستأجروا في أي مكان. لقد طالت هذه المهزلة!

ذهبَ مروان ليكلّمهما ويطلب منهم الرحيل وقبِلوا دون أيّ تردّد وفرحتُ كثيراً لأنّني كنتُ سأبدأ أخيراً حياتي الزوجيّة. وفي هذه الأثناء ذهبنا ننام في منزل أهلي. ولكن في صباح اليوم التالي، أخبرَني زوجي بأنّ جومانا وقعَت ليلاً عن السلّم وهي توضّب أغراضهم وكسرَت رجلها. ثم نظرَ إليّ بحزن عميق وقالَ لي:

- لا أستطيع أن أطلب منها الرحيل وهي في هذه الحالة.

إمتلأَت عينيّ بالدموع لكثرة غضبي وقررتُ الذهاب للتأكّد من الأمر. فتحَ لي زوجها الباب وهو مُحرج وقادَني إلى غرفة النوم حيث كانت جومانا نائمة ورجلها معلّقة بالعالي وملفوفة بقالب من الجبس. أخبرَتني عن ظروف الوقعة وأنّها جدّ متأسفة لما حصل ووعدَتني أن ترحل فور شفائها. وأمام هذا المشهد، لم أستطع قول شيء سوى التمنّي لها بالشفاء العاجل. عدتُ إلى منزل أهلي وقلبي مليء بالحزن وعمِلَت أمّي على تهدئتي:

- الذنب ليس ذنبها فالمسكينة تتألّم... لا تخافي ستتعافى قريباً وستنتقلين إلى بيتكِ... أنا فرحة بوجودكِ هنا وأبوكِ أيضاً فهذا لطالما كان منزلكِ يا حبيبتي.

كانت نوعاً ما على حق، فأنا كنتُ في المنزل الذي ولدتُ فيه وترعرعتُ به والمسألة لا يجب أن تأخذ أكثر من شهر. ولكن الأمور لم تكن بهذه البساطة. فبعد ثلاثة أسابيع على حادث شقيقة زوجي، قال لها الأطباء أنّها بحاجة إلى عمليّة جراحيّة لأنّ الكسر لم يلتئم جيّداً وحدّدوا موعد الجراحة بعد عشر أيّام. وكان سيلزمها وقتاً إضافيّاً للشفاء والراحة التامة. شعرتُ أنّ القدَر يلعب ضدّي وأنّ هذا المنزل الذي إنتظرتُه كل هذا الوقت لن يكون أبداً لي. بكيتُ كثيراً وعندما رآني مروان بهذه الحالة، بدأ يعتذر بحرارة وعرَضَ عليّ أن نسافر إلى أي بلد قد أختارُه ولكنّني رفضتُ لكثرة كآبتي. ولأنّني إنسانة طيّبة ومحبّة، إتصلتُ بجومانا لأسأل عنها وعرض خدماتي عليها. قالت لي أنّ زوجها والأولاد يقومون باللازم وشكرَتني كثيراً لتفهّمي. ولكن بعد أن أقفلتُ الخط شعرتُ أنّ عليّ على الأقل الذهاب إليها لمواساتها، فوجودي معها قد يخفّف من ألمها بعض الشيء. حضّرتُ لهم قالباً من الحلوى وأخذتُ سيّارتي وقصدتُهم. وبِسبب حجم قالب الحلوى وثقله بدأتُ أقرع الباب بقوّة خوفاً من أن يقع من يديّ. سمعتُ صوت أقدام وصوت جومانا وهي تقول:

- أنا آتية! لِمَ العجلة؟

وفتحَت لي الباب ونظرتُ إلى رجلها ووجدتها متعافية تماماً. أمّا هي فسكتَت مطوّلاً عندما رأتني واقفة أمامها. نظرنا إلى بعضنا وفهمتُ اللعبة. وبعد ثوان قلتُ لها:

- هل عندكِ تفسيراً لما أراه؟

- أجل... أدخلي...

وجلسنا بالصالون الذي كان من المفروض أن يكون لي وبدأَت بالكلام:

- بيتنا لم يحترق... بل خسرناه بسبب زوجي... فهو يلعب بالميسر ويراهن على الخيل وكل شيء يمكنه الرهان عليه... وبسبب إدمانه وجدنا نفسنا على الطريق. قلنا أنّه إحترق لكيّ لا يخسر زوجي عمله كمحاسب فلن يبقوه في الشركة إن علموا بحبّه للعب. وبما أنّه لم يبقى لدينا سوى معاشه، فمِن المستحيل شراء منزل آخر وإذا إستأجرنا شقّة لن يبقى لنا شيء لمدارس الأولاد.

- لِذا جئتم وأخذتم بيتي بكل وقاحة! ولم تكتفي بهذا، بل مثلتي دور الضحيّة ووصلَت الأمور معكِ إلى وضع قالب من الجبس المزيّف على رجلكِ! أهنّئكِ! أنتِ كاذبة بارعة! لقد أفسدتم عليّ فرحتي كعروس ومنعتوني من العيش في منزل زيّنته بنفسي بحبّ. أريدكم أن ترحلوا. سأسترجع منزلي غداً وإلا...

- ولكن قلتُ لكِ أننا لا نستطيع فعل هذا!

- بلى... يمكنكم إستئجار شقّة صغيرة ويمكنكِ العمل وجَني بعض المال. إدمان زوجكِ هو مشكلتكم وليست مشكلتي. هناك دائماً حل. كل ما أستطيع فعله هو عدم إخبار مروان بالحقيقة لكي لا يكرهكِ حتى آخر أيّامه لأنّكِ كذبتِ مراراً عليه وإستغلّيتي طيبة قلبه.

ورحلوا في اليوم التالي، فقط لأنّني كشفتُهم وليس لأنّهم شعروا أنّهم أطالوا المكوث عندنا. حافظتُ على وعدي لجومانا ولم يعلم زوجي بالحقيقة وإنتقلنا أخيراً إلى بيتنا لنبدأ مشوارنا سويّاً.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button