من كانت تلك المرأة التي رافقتنا في رحلتنا؟

مع إقتراب الموسم الصيفي، بدأتُ مع زوجي أسعد بالتفتيش عن مكان نسافر إليه، يكون أكثر برودة. وقررنا أن نترك ولدينا عند جدّتهما لكي يتسنّى لنا قضاء بعض الوقت وحدنا والإستمتاع ببعضنا. ووجدنا سفرة منظّمة من قِبَل شركة سفريّات مشهورة توفّر علينا عناء التخطيط والحجوزات.
وبعد شهر، حزمنا أمتعتنا وطرنا إلى إيطاليا. كنتُ فرحة جدّاً، لأنّ حلمي كان زيارة روما و"الفاتيكان" و"نافورة تريفي" لأرمي فيها بعض النقود وأتمنّى أن تبقى حياتي هنيئة كما هي. وعند وصولنا إلى مطار "فيوميتشينو"، وجدنا مندوب الشركة بإنتظارنا يحمل يافطة وتجمّعنا مع جميع المسافرين حوله. وبعد أن تعرّفنا إلى بعضنا، أخذونا إلى فندقنا الجميل في وسط روما السياحيّة. وبعد أن وضعنا حقائبنا في غرفتنا وأخذنا حماماً ساخناً، إلتقينا في الردهة لكي يطلعونا على البرنامج المعَدّ لنا. كل المسافرين أتوا مع عائلاتهم ما عدا إمرأة واحدة، إختارت أن تسافر لوحدها. إستلطفتُها جداً، فكان عمرها يقارب عمري فتبادلنا أسماءنا وتكلّمنا بعض الشيء عن أنفسنا وعلمتُ منها أنّها تُدعى ريما وأنّها تعمل في شركة إستيراد وتصدير قربنا في العاصمة. فرِحَت بي كثيراً لأنّها كانت تخشى أن تجد نفسها وحيدة في المجموعة، فوعدتُها أنّنا سنبقى معها. لم يمانع أسعد طبعاً كونه إنسان لطيف ومحبّ. وطلبنا من المرشد أن يضع ريما على طاولتنا عند تناول الوجبات وجعلناها تجلس معنا في الباص عند تنقّلاتنا. وبدأنا نزور كل الأماكن التي كنتُ قد رأيتُها في الأفلام وعلى الإنترنيت وكانت في تلك اللحظات حياتي سعيدة.
أقول هذا، لأنّ أشياء كثيرة تغيّرَت في تلك الرحلة. أوّلها تصرّفات زوجي. أستطيع أن أؤكّد أن بعد عشر سنوات من الزواج، لم أتوقّع منه ما حصل وأسأل نفسي كم من الوقت يستلزم لمعرفة شخصاً جيداً؟ في البدء لم ألاحظ النظرات التي كانت تدور بين أسعد وريما، ربما لأنّها كانت دائماً معنا. ولكن عندما أصبحَ زوجي يحمل حقائبها عنها ويتركني أحمل حقائبي لوحدي، بدأتُ أنزعج ولكنني لم أقل شيئاً ربما لأنني كنتُ أنا التي طلبتُ منه أن يهتمّ بها. حاولتُ لفت إنتباهه بتوجيه إليه ملاحظات مثل: "كم أنّها محظوظة... لديها حمّالها الخاص" أو "كم حقائبي ثقيلة..." ولكن لم يؤثّر شيء على لهفة زوجي على هذه المرأة. ولم أعد أستلطفها، بل بدأتُ أنزعج منها وبقوّة وكأنّها بحصة في حذائي. حاولتُ الإبتعاد عنها وأخذ أسعد إلى أماكن من دونها ولكن كان يفتّش عنها ويأتي بها معنا. وفي ذات ليلة، عندما عدنا إلى غرفتنا، قلتُ له أنني لم أعد أريد أن أرافق ريما. فأجابني:

- ولم لا؟ هي لطيفة وأخلاقها حسنة... كنتِ تحبينها فما الذي حصل؟

- جئنا إلى هنا وتركنا الأولاد في البلد كي نكون لوحدنا ونقضي بعض الوقت دون أحد سوانا... لا أريدها معنا بعد الآن.

وأظنّ أنّه عَلِمَ كم أنا جادة، لأنّه لم يصرّ عليّ وقبِل أن نبتعد عنها. وفي اليوم التالي جلسنا لوحدنا في مؤخّرة الباص وأكلنا على مائدة مسافرين آخرين. وفهِمَت ريما الرسالة، فهي أيضاً إبتعدَت عنّا وخلتُ حينها أن عالمي عادَ إلى طبيعته. ولكن في المساء نفسه، عندما رجعنا إلى غرفتنا ولبستُ ثياب النوم قال لي أسعد:

- حبيبتي... وعدتُ بعض المسافرين أن ألحقَ بهم في الردهة للعب الورق وقضاء بعض الوقت معهم. لن يطول غيابي.

وخرجَ من الغرفة. في البدء لم يخطر على بالي أنّه يكذب ولكن صوتاً همس في رأسي وذكّرني أنّ زوجي لا يحبّ لعب الورق. جلستُ في السرير لبضعة دقائق، ثم إرتديتُ ملابسي ونزلتُ إلى اللوبي. لم أجد أسعد مع باقي المجموعة وبعد أن سألتهم عنه قالوا لي أنّه رأوه يتوجّه نحو الشرفة. وقصدتُ المكان ووجدته جالساً مع ريما يضحكان سويّاً. لم أعلم بالضبط ما عليّ فعله، فلو واجهته كان سيقول لي أنّه إلتقى بها صدفة وعرضَت عليه مجالستها ولم يستطع الرفض. فقررتُ الإنتظار لأرى ما سيحصل. وبعد أن أمضيتُ أكثر من ساعة مختبئة وراء عموداً، وقفا ثم إفترقا وكل واحد منهما ذهبَ في طريقه. ركضتُ كالمجنونة لآخذ أوّل المصعد وأسبقه إلى غرفتنا لكي لا يلاحظ غيابي. وبعد وصولي بدقيقة جاء أسعد ووجدَني نائمة. خلعَ ثيابه بصمت ودخل السرير. وفي اليوم التالي أي يومنا الأخير وعندما جاء المساء، أخبرَني أسعد أن المسافرين يريدون التجمّع في الردهة للمرّة الأخيرة وأنّه سيوافيهم. وقبلَ أن يخرج من الغرفة قال لي:

- لا تنتظريني... قد تكون السهرة طويلة.

ولكن ما لم يكن يعلمه، هو أنني كنتُ قد إرتديتُ لباس النوم فوق ثيابي وكنتُ جاهزة للحاق به فوراً. وهذا ما حصل. أخذتُ المصعد الآخر ووصلتُ الردهة بعد أسعد بثواني قليلة ورأيتُه يمرّ قرب المسافرين ويلقي عليهم التحيّة، ثم يتوجّه نحو الخارج حيث كانت تنتظره ريما. أخذا سيّارة أجرة وفعلتُ كذلك ولحقتُ بهما إلى مطعم صغير حيث تناولا كأساً من المشروب ثم عادا إلى الفندق. وعندما وصلتُ الفندق وراءهما، تمنيّتُ من كل قلبي أن يصعد أسعد إلى غرفتنا ولكنّه لم يفعل بل دخلَ مع ريما إلى غرفتها وأقفلا الباب وراءهما. إنتظرتُ أمام الباب وأذُني ملتصقة به ودموعي تكرج على خدودي. وبعد حوالي 15 دقيقة قرعتُ الباب وقلتُ بلهجة إيطاليّة "روم سيرفيس!". فتحَت لي ريما الباب ورأيتُ زوجي في السرير. ووقفَ الزمن. لم تستطع ريما التفوّه بأي كلمة ونظرَ أسعد إليّ بإندهاش شديد. أمّا أنا فوقفتُ أمامهما وكأنّ المشهد لا يخصّني. وبعد ثوان إستوعبنا جميعاً الذي يحصل فصرختُ:

- أيّها السافل! تخونني مع أوّل إمرأة تراها؟؟ وبعد كل هذه السنين؟؟ ما جنسكَ؟؟ وأنتِ أيّتها المنحطة! ألا تخجلين من نفسكِ؟ تمارسين الجنس مع رجل إلتقيتِ به من بضعة أيّام؟؟؟

نظرَت ريما إلى زوجي وقالَت له:

- قل لها الحقيقة... سئمتُ من هذا الوضع.

نظرتُ إليه بتعجّب وإنتظرتُ منه تفسيراً:

- أنا أعرف ريما من قبل... إتّفقنا أن نلتقي هنا...إسمعيني... في الحقيقة جئتُ معكِ إلى إيطاليا كي أخبركِ شيئاً بعيداً عن الأولاد والعائلة والمعارف... أريد الطلاق... وأريد أن أتزوّج ريما لأنني أحبّها... سامحيني.

لم أجب. خرجتُ بصمت من الغرفة ونزلتُ في المصعد وذهبتُ إلى خارج الفندق حيث جلستُ على حافة الطريق. وهناك بكيتُ كثيرأً، لأنني تزوّجتُ إنساناً خلتُ أنّه يحبّني، بينما كان يحب أخرى وينتظر بفارغ الصبر أن يتركني ليكون معها. وفي اليوم التالي عدتُ إلى بلدي لوحدي، لأنّه لم يكن شجاعاً كفاية ليواجه ولدَيه والناس.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button