نادين مظلوم، امرأة لا يمكن وصفها الا بالشُجاعة. فابنة التسعة وعشرون عاماً، برهنت للنساء في مجتمعاتنا أولاً، لمحيطها ثانياً ولنفسها آخراً بوجود حياة ما بعد العنف.
قد لا تكون هذه الحياة كالروايات التي يمتطي فيها رجل الأحلام حصانه الأبيض لنجدة الأميرة ولا حتى سيارته الرياضية، ففي هذه الحالة الرجل هو الجلاد. ولكن الواقع أجمل من القصص الخيالية في العديد من الأحيان. في واقع نادين وأخريات من طينتها نرى أن الحسناء لا تنتظر من ينجدها ولا تخضع للجلاد.
منذ فترة ليست ببعيدة، خرجت نادين من قوقعة الخوف وشاركت تجربتها مع العنف عبر مقال نُشر على موقع المؤسسة اللبنانية للارسال حيث تعمل كصحافية. عينان زرقاوان، بشرة مليئة بالكدمات وغضب عارم.
هذا الغضب هو ما وصفته خلال حديثي معها لـِELLE عربيّة عن تجربتها ب " نقطة التحول". هذه النقطة التي جعلتها تقف بوجه الجاني وتلجأ الى المؤسسات القانونية.
من، متى، كيف، لماذا؟ لا يهم. فبغض النظر عن هوية الجاني واسبابه، تبقى النتيجة واحدة، امرأة تعرضت للضرب. الأهم هو كيف تمكنت نادين من استعادة حياتها وكرامتها.
تعترف نادين: "عندما تتعرضين للعنف، تشعرين وكأنك لا شئ ، لا أحد، ضعيفة." وتعتبر أنه من الصعب جداً على المرأة أن تتخطى هكذا تجربة. "دعم الأصدقاء المقربين وعائلتي ساعدني، لكن في نهاية المطاف لا أحد دفعني الا نفسي. لقد تطلب الأمر مني الكثير من الجهد لكي أخرج من هذا الوضع. فحتى المرأة المستقلة والمتعلمة تجد صعوبة في التأقلم. فلِكَي تتخطى المرأة تجربة مماثلة عليها أن تمتلك ارادة قوية وعقلية صلبة، كما هناك تأثير كبير للمحيطين بها، والدور الأخير للمجتمع."
اما عندما سألتها عمّا هي برأيها المشكلة الأساسية، فأجابت: "كيفية تربية الرجال منذ الصغر هي المشكلة، فننشأ على مفهوم "أُوعى الصبي"، ما يحق له، لا يحقّ للفتاة، فيكبُر على مبدأ الفوقية والسيطرة. بينما المرأة ستكون دوماً الأضعف جسدياً."
أما عن تداعيات تجربتها مع العنف على علاقاتها ونظرتها للجنس الآخر فصرّحت بأنها لا تكره الرجال، لكن سوف يصعب عليها بعد اليوم أن تشعر بالأمان المطلق. على الرغم من أنها تخطت نوعاً ما تجربة العنف، فإنها تلاحظ الآن تصرفات معينة قد تكون مؤشراً لشخصية عنيفة لدى بعض الأشخاص، لم تكن تلاحظها في السابق.
هل لدى نادين أي عتب؟ "نعم، لدي عتب كبير على النساء الواتي يكرهن بعضهن البعض، فيلجأن للنميمة والكلام السلبي لارضاء الرجال. على نساء مجتمعنا ان يضعن ايديهن سويا للدفاع عن حقوقنا، علينا مسؤولية، لا أحد فوق رأسه خيمة أو محمي من العنف، علينا أن ندعم بعضنا البعض."
وماذا تقول نادين للنساء المعنّفات وللنساء عامّةً؟
"حاولي أن تتمتعي بالإكتفاء الذاتي، خاصةً الفتيات الصغيرات في السن، لا تخافي، لا تسمحي للناس أن يستخفوا بك او يعاملوك كأقل من انسان. أما للنساء المعنفات فأقول، لا تصمتي، شاركي محنتك مع المجتمع عبر الوسائل الإعلامية، يجب أن نخلق نظاما بالتنسيق مع الإعلام تلجأ إليه المرأة ويساهم في تسريع عمل السلطات القانونية."
رأي المعالج النفسي
أما المعالج النفسي روني أبو ضاهر، فعقّب على مسألة العنف قائلاً: "إن احدى التحديات التي نواجهها مع النساء المعنّفات هي عدم شعورهنّ بأنهن يستحقن العيش بطريقة أفضل. فالعديد منهن يعتبرن َ ان من حقّ الرجل ضربهنّ."
"كثيرات من السيدات تتشاركن نظرتهن عن الرجل كونه مُعنٍّف، ففي العديد من الحالات، تمت تربيتهن في منزل حيث الأب يعنّف الأم التي تصمت عن الموضوع فيصبح الصمت طبيعي في منظارهن. ."
ويضيف: "أنواع العنف متعددة، وتشمل العنف النفسي، واللفظي والمادي/الإقتصادي، والسلوك العنيف تجاه الأشياء والجنسي والجسدي.
وهنا نطرح السؤال: هل هناك أي مؤشرات تدلّ على احتمال استخدام الرجل لسلوك عنيف؟
فأجاب: "ثورات الغضب غير المبررة والمبالغ بها والمتكررة، العنف تجاه الأشياء من حوله كتكسير حاجيّاته عند الغضب أو حاجيات الآخرين، الهوس والإفراط ببعض التصرفات كالتبضع والقيادة بسرعة فائقة والعنف ضد الحيوانات."
نسأل: ما الذي يدفع المرأة عامةً لقول كفى للعنف؟
يشرح أبو ضاهر: "لا يمكننا التعميم، فلكل حالة وشخص خصوصية معينة، لكن تتشارك النساء عادةً بالخوف على الأولاد في حال طالهم العنف، الخطر على حياتها، عدم قدرتها على تحمل الألم الجسدي، مساعدتها وتذكيرها عبر صديق أو فرد من العائلة بأنها تستحق حياة أفضل."
من الواضح أن عوامل عدّة قد تساعد المرأة على رفض هكذا وضع، فما الذي يجعل المرأة تتردد في أخذ خطوات للمواجهة؟
يوضّح:" نلاحظ خلال عملنا مع ضحايا العنف، غياب الوعي حول حقوقهن ولطرق معالجة العنف والخيارات المتاحة امامهن، فيطرحن دائماً السؤال: الى أين أذهب، ماذا أفعل؟؟ كما هناك نظرة المجتمع والوصمة بالمرأة المطلقة أو التي تعيش بمفردها، حيث يرفض الأهل استقبال المرأة في بعض الأحيان، والتبعية الاقتصادية والخوف من خسارة الأولاد."
إذاً ما هو الحل الأمثل لقضايا العنف؟
للأسف، الطرق التقليدية التي تتبعها بعض الجمعيات التي تعنى بالقضايا النسائية، حيث يتم التركيز على المرأة ودفعها للثورة والمطالبة بحقوقها، لا تؤدي الى نتيجة حاسمة في العديد من الأحيان. فوضع حد للمعاناة والعنف لا يكون دوماً بوضع الرجل في السجن، بل بمعاجلة المشكلة من الجذور باقناعه عبر شخص يثق به ان يخضع للعلاج النفسي. ففي جمعية " ابعاد " مثلاً ننظر الى العنف كمشكلة عائلية وليس فقط نسائية. فبالإضافة الى العمل مع االمرأة نعمل مع الرجل في "مركز الرجال" على تحديد مسببات السلوكيات العنيفة لديه، معالجتها واكسابه طرق جديدة للتعامل مع ذاته و مع الآخر. "
في حال لم يتم التعامل مع العنف، ما هي التأثيرات على الأولاد؟
على الأهل أن يدركوا أن التربية تكمن في المثال وليس في الكلام. تربية الأولاد في منزل فيه عنف، قد يدفع الصبي الى ان يصبح مُعنّفاً والفتاة الى تقبّل العنف، وذلك بسبب تعلّمهم أن العنف أمر مقبول، فالمرأة لا تحمي اطفالها بالصمت عن العنف بل على العكس.
السؤال الأهم، كيف تتخطى المرأة العنف وكيف هي الحياة ما بعد العنف؟
"يجب التنويه بأن المرأة التي قررت وضع حدّ للعنف والخروج من هذه العلاقة، هي امرأة ذات ارادة قوية. وهنالك العديد من المراحل ويجب أن تعمل على عدة أصعدة إن كان بمفردها أو بمساعدة الطبيب النفسي. فعليها:
أولاً: تعزيز ثقتها بنفسها
إيجاد والتركيز على النقاط الايجابية الموجودة لديها واحاطة نفسها بأشخاص يدعمون نظرتها الايجابية لنفسها، ووضع اهداف صغيرة والعمل بإتجاهها.
ثانياً:التصالح مع جسدها
الجسد بالنسبة للمرأة المعنفة، هو مصدر الألم، لذا من المهم جدأ أن تتصالح المرأة مع جسدها؛ ويمكن تحقيق ذلك عبر الاهتمام بجسدها، مثلا عبر تطبيق إحدى التقنيات البسيطة كاستعمال مستحضرات التجميل كالكريمات المرطبة للجسد والتي تساعد على اعادة بناء علاقتها بجسدها ليصبح مصدر متعة بهدف التوصل لاحقاً لمصالحة مع جسد الآخر.
ثالثاً: البحث عن الموارد الايجابية
بناء شبكة دعم وعلاقات تؤمن التحفيز والطاقة الإيجابية.
رابعاً : اعادة بناء نظرة أكثر إيجابية تجاه الرجل
البحث والتأمل بنموذج ذكوري جديد، للوصول الى نظرة موضوعية وواقعية للرجل حيث تتخلّص من مفهوم أن كلّ رجل هو رجل عنيف.
ماذا تقول في الختام للنساء المعنّفات؟
"ردّدي دوماً: لا شيء يبرّر العنف. أنا لست المشكلة أو المسؤولة عنها ولكني مسؤولة عن التعامل معها والخروج من دائرة العنف. من حقي أختيار الحياة وأن أعيش بكرامة. "
أما من ELLE عربيّة، فنعبّر عن رسالتنا عبر ناجيات العنف الأسري ، لعلّهن يشكلن مثالاً للأمل في الحياة ما بعد العنف.
تحقيق تيري عبد المسيح
إن كنت تتعرضين للعنف وتحتاجين للمساعدة يمكنك الاتصال بالجمعيات التالية:
السعودية:
الاتصال بلجان الحماية من العنف الأسري في السعودية
ـ لجنة الحماية بمنطقة الرياض ت 012075242 فاكس / 012075172
ـ لجنة الحماية بمنطقة مكة المكرمة ت 026616688 فاكس / 026641815
ـ لجنة الحماية بالمنطقة الشرقية ت 038349422 فاكس / 038305122
-الادارة العامة للحماية الاجتماعية الرياض هاتف 0096614738002 فاكس0096614736055
او زوري الموقع الرسمي
قطر:
المؤسسة القطرية لحماية الطفل والمرأة:
دار الأمان القطرية: 44475781/44475923
مكتب المؤسسة داخل مؤسسة حمد الطبية : 44391443
مكتب المؤسسة في مركز أمن العاصمة: 44251117
أو زوري الموقع الرسمي
لبنان :
أبعاد: 01283820 مركز الرجال: 71283820 أو زوري الموقع الرسمي
كفى: خطّ الأمان 03/0180199 أو زوري الموقع الرسمي
دبي:
مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال:
خط المساعدة: 800111، الفاكس: 009714 2870088، الرسائل النصية القصيرة: 5111
أو زوري الموقع الرسمي
