لعل معظمنا لم يسمع من قبل بمفهوم لاجوم السويدي؛ وهو مصطلح يعني الكفاية، ويتمحور في جوهره حول تحقيق التوازن في حياتنا. وفي ظل الإيقاع السريع للحياة المعاصرة التي تدفعنا لقضاء أوقات طويلة أمام شاشات هواتفنا المحمولة، تزداد أهمية تحقيق التوازن والعودة إلى أنماط الحياة البسيطة أكثر من أي وقت مضى؛ خاصةً تلك التي أثبت السويديون فعاليتها ونجاحها.
وفي حين يمضي الشخص العادي وسطياً حوالي 26 عاماً من حياته في النوم، أي ما يعادل 9490 يوماً أو 227760 ساعةً، قد ننسى حقيقة أننا نمضي أيضاً حوالي 7 أعوام من حياتنا في محاولة النوم بحد ذاتها. ويمكن لعادات النوم السيئة أو عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم، أن يؤدي إلى أكثر من مجرد الشعور بالانزعاج وانخفاض الإنتاجية في العمل؛ فقد يؤثر ذلك سلباً على الصحة الذهنية والجسدية على المدى الطويل، مما يؤدي إلى ظهور مشاكل صحية تشمل ضعف مناعة الجسم، وارتفاع ضغط الدم، والتقلبات المزاجية، والاكتئاب، وتراجع القدرات المعرفية أيضاً.
وبالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للنوم، يجب علينا إدراك أهمية النوم باعتباره عنصراً أساسياً في الحفاظ على الصحة والسلامة، حيث تنعكس جودة النوم بصورة مباشرة على جودة حياتنا بشكل عام. وللأسف، أدى انتشار مرض كوفيد-19 إلى زيادة صعوبة الحصول على قسط كافٍ من النوم العميق، ويتجلى ذلك بوضوح في الزيادة غير المسبوقة لعمليات البحث عن كلمة الأرق على موقع جوجل خلال عام 2020؛ حين واجه الناس في جميع أنحاء العالم صعوبات كبيرة في النوم نتيجة شعورهم بالقلق، والخوف من المستقبل، وتراجع النشاط البدني، وتوقف أنماط الحياة الاعتيادية نتيجة الأزمة الصحية. وأطلق الخبراء على هذه الحالة اسم كوروناسوميا (Coronasomia)، والذي يعني الأرق المرتبط بمرض كوفيد-19.
وفي حين أنه من الممكن أن يتعرض أي منا لمشاكل النوم خلال فترات مختلفة من حياته؛ إلا أنه، ولحسن الحظ، يمكن معالجة هذه المشاكل من خلال إجراء تغيير في أنماط الحياة الاعتيادية والعادات الصحية لتحقيق التوازن الأمثل.
ونقدم لكم فيما يلي بعض النصائح التي تساعدكم على اعتماد مفهوم لاجوم والحصول على قسط كافٍ من النوم المريح:
قضاء وقت أقل أمام الشاشات
يواجه معظمنا صعوبات في النوم على الرغم من ذهابنا إلى السرير في وقت مبكر، ويمكن أن يرجع ذلك إلى عادة سيئة شائعة للغاية، وهي تصفح هواتفنا المحمولة دون وجود هدف من ذلك في معظم الأحيان.
وثبت علمياً أن قضاء وقت طويل على شاشات الأجهزة المختلفة قبل النوم يؤدي إلى تنشيط الدماغ، وخفض سرعة الدخول في النوم ومدته. إذ يوهم الضوء الأزرق المنبعث من شاشات الحواسيب والهواتف المحمولة أدمغتنا بأننا في وقت النهار، مما يخفض من مستويات هرمون الميلاتونين في الجسم، وهو هرمون النوم الذي يفرزه الجسم في الليل.
ولا يعني ذلك بأنه يتعين علينا التخلي عن استخدام أجهزتنا المفضلة حتى نتمكن من النوم بسرعة، وإنما يكفي تجنب استخدام الهواتف والحواسيب المحمولة قبل موعد النوم بساعة واحدة على الأقل للحصول على نتائج جيدة. ويمكن أيضاً الاستماع على الموسيقى المفضلة، أو مطالعة أحد الكتب، أو الاستحمام، أو إجراء جلسة تأمل سريعة لمساعدتنا على الاسترخاء والحصول على نوم عميق بدلاً من التحديق في شاشات أجهزتنا المحمولة. كما يمكن اتخاذ خطوة إضافية وشحن الهاتف المحمول خارج غرفة النوم للحصول على تأثير أكبر وتجنب استخدامه في وقت متأخر من الليل.
تحديد موعد ثابت للنوم
ينقسم الأشخاص إلى نوعين، محبي السهر وعشاق الاستيقاظ الباكر؛ وهنا يبرز دور الساعة البيولوجية في أجسامنا، التي تنظم مواعد النوم والاستيقاظ على مدار الساعة وخلال الأوقات المختلفة من اليوم. ويعد اتباع أنماط حياة متسقة عنصراً أساسياً في الحفاظ على إيقاع منتظم للساعة البيولوجية، حيث يساعد النوم والاستيقاظ في موعد محدد على ضبط هذه الساعة وإفساح المجال أمام الجسم للنوم بسرعة وبشكل أفضل. ولتحقيق هذا الهدف، يمكنكم ضبط ساعة منبه للاستيقاظ والنوم في نفس التوقيت يومياً، وحتى خلال عطلات نهاية الأسبوع، وبصرف النظر عن مدى الرغبة بمواصلة النوم أو حتى السهر. بمعنى آخر، كل ما عليكم القيام به هو اتباع مبدأ بسيط يقوم على الحصول على قسط كافٍ من النوم دون زيادة أو نقصان.
تهيئة بيئة مثالية للنوم
تلعب البيئة المريحة والهادئة دوراً محورياً في تسريع عملية النوم، والحصول على نوم عميق وهانئ خلال الليل. ويمكنكم من خلال بذل جهود بسيطة إجراء بعض التغييرات في غرف نومكم لتحويلها إلى بيئة نوم مثالية، كالاقتداء بالسويديين الذين يحرصون على ترتيب غرف النوم وإضفاء طابع من البساطة عليها. كما ينبغي أن تكون غرف النوم ذات ألوان هادئة، ومزودة بملاءات نظيفة وناعمة، وستائر داكنة اللون لجعلها مريحة قدر الإمكان؛ بالإضافة إلى خلوها من أي شيء يذكركم بالعمل أو يحفّز نشاط أدمغتكم.
ويشكل الهواء الذي نتنفسه أثناء النوم عاملاً أساسياً قلّما يتم أخذه بعين الاعتبار رغم تأثيره الكبير على نوعية النوم؛ إذ تبيّن الدراسات أن جودة الهواء تفضي إلى الارتقاء بجودة النوم. وعلى الرغم من ذلك، فمن الممكن أن يكون الهواء الداخلي أكثر تلوثاً من الهواء الخارجي بخمسة أضعاف دون أن نشعر بذلك، كما يمكن للجزيئات الصغيرة والغبار المتطاير في غرف النوم أن تسبب لنا الأرق طوال الليل.
الحفاظ على اللياقة البدنية
دفعتنا أزمة كوفيد-19 لاتباع أنماط حياة خاملة، حيث نقوم بإجراء معظم أنشطتنا وأعمالنا عن بعد لتجنب خطر العدوى، ولكن من الممكن أن يؤدي عدم ممارسة أنشطة اللياقة البدنية إلى مخاطر صحية طويلة الأمد وتراجع مستوى جودة النوم.
كما تشير الدراسات إلى أن ممارسة تمارين رياضية بسيطة يومياً لمدة عشر دقائق فقط، مثل المشي أو ركوب الدراجات الهوائية، يمكن أن تسهم بشكل فعال في تحسين جودة النوم ومدته. ويشكل تحديد مواعيد ممارسة التمارين الرياضية عاملاً أساسياً في الحصول على نوم مريح، فلطالما كانت ممارسة التمارين الرياضية قبل النوم موضع جدل بين الخبراء لسنوات طويلة نظراً لدورها في رفع درجة حرارة الجسم وتسريع ضربات القلب.
ولكن مع اختلاف طبيعة الأجسام، أشار البعض إلى قدرتهم على النوم بسرعة أكبر بعد ممارسة أنشطة اللياقة البدنية؛ لذا تُعد أوقات ممارسة الرياضة أمراً خاصاً بكم وبإيقاع ساعتكم البيولوجية، ولكن تذكروا دائماً أن تقتدوا بأنماط الحياة السويدية المتوازنة وأن تحافظوا على نشاطكم خلال اليوم.