إن كثرة الأولاد ليست سبباً في شجار الأخوة فيما بينهم كما تتصور بعض الأمهات الكريمات، بل الغيرة أحد أهم أسباب العراك بين أفراد الأسرة، والغيرة من الأمراض التي تدخل بيوتنا بدون إذن وتسلب راحتنا، تقول المستشارة النفسية كوثر عبدالرحمن: ينبغي الحرص على سلامة صحة الطفل النفسية في السبع سنوات الأولى من عمره أكثر من الاهتمام بصحته الجسدية، وكثير من الأمراض الجسدية التي تصيب الطفل في هذه المرحلة تكون نتيجة لسوء صحته النفسية.
إن الشجار بين الأخوة من أبرز معالم مرض الغيرة، وكذلك بكاء الصغير لأتفه الأسباب، فقد نجده في بعض الأحيان يبكي ويعلو صراخه لمجرد استيقاظه من النوم، أو لعدم تلبية طلبه بالسرعة الممكنة، أو لسقوطه على الأرض، أما العبث في حاجات المنزل فهو مظهر آخر للغيرة التي تحرق قلبه، وبالخصوص حين ولادة طفل جديد في الأسرة.
تبدو الغيرة واضحة بين للوالدين عندما يكون الطفل في مرحلته الأولى، وتختفي مظاهرها فقط بعد السابعة، حيث يتصور الوالدان أن طفلهما أصبح كبيراً لا يغار، وهو خطأ، فالطفل في المرحلة الثانية من حياته يقل اهتمامه واعتماده على والديه، ويجد له وسطاً غير الأسرة بين أصدقائه ورفاقه، وفي المدرسة أو الجيران، ولا ينعكس مظاهرها إلا في شجاره مع إخوته في الأسرة، أما في المجتمع فله القسط الأوفر من أثار الغيرة التي يصاب بها الأبناء.
المقارنة بين الأبناء
إن استخدام الوالدين المقارنة بين الأبناء أسلوب مزعج لهم، فكما أن الزوجة تنزعج حين يطلب الزوج منها أن تكون مثل الجارة ماهرة في إعداد الحلوى، أو يزعجها أيضاً تعنيفه لها رافقاً منها أن تكون مثل الجارة مهملة في ترتيب المنزل، إضافة إلى الآثار الأخرى من انكماشها وعدن ارتياحها من الطرف الآخر المقارن معها.
والطفل كذلك نفسيته مثل الكبير، فكما أن المقارنة تزرع الأم وكذلك الأب، فهي تزعجه هو أيضاً مع حالة من التوتر تصيبه مقابل أخيه المقارن معه، لذا ينبغي على الوالدين عدم استعمال المقارنة بين الأبناء بالمديح أو الذم، مثل أن تقول الأم لصغيرها لماذا لا تكون مثل أخيك الذي يحافظ على ملابسه دوماً، أو لا تبكى وتكون مزعجاً مثل أخيك.
علاج الغيرة؟
إن معرفة الداء قبل الدواء، كما يقول الحكماء، ولذا فمعرفة أسباب الغيرة تنفعنا كثيراً في العلاج حين نتوقع العوامل المسببة للمرض، إضافةً إلى أن أهم علاج للغيرة يتركز في إشباع حاجتهم للحب والحنان، مع الاهتمام بوجودهم، وهي نفس الأسباب التي تدفعهم للعناد وعدم طاعة الوالدين.
فالغيرة والعناد قريبتان حين يوجد أحدهما تجد الآخر، وهي نتاج للعناد، ففي بادئ الأمر يكون الطفل معانداً لأسباب مرت معنا، فإذا لم يتم علاجه يتفاقم الأمر عليه، ويصاب بمرض الغيرة، فلا ينسى الوالدان أن يسمعاه كلمات الحب والإطراء والتقدير والمديح والاهتمام بوجوده.
وللتخلص من الغيرة بين الأبناء، يجب عليك إتباع الخطوات التالي:
1- إشعار الطفل بأنه كبير:
إن الأم هي ترضع صغيرها بإمكانها أن تتحدث مع الكبير، قائلة: كم أتمنى أن يكبر أخاك ويصبح مثلك يأكل وحده، وله أسنان يمضغ بها، ويمشي كذلك... الخ، حتى أرتاح من رضاعته وتغيير فوطته، ولكنه مسكين لا يتمكن من تناول الطعام أو السيطرة على معدته. وتقول لطفلها الأكبر حين يبكي الرضيع وتهرع إليه: نعم جئنا أليك فلا داعٍ للبكاء، وإن أخاك سوف يعلمك أن تقول إني جائع بدل من الصراخ والبكاء، وبهذه الكلمات وغيرها من التصرفات يمكن إشعاره بأنه كبير، والصغير يحتاج إلى هذه الرعاية.
2- لا تقولي له لا تفعل:
حتى نجنبه الغيرة من الرضيع، يفضل من الأم أن لا تقول للطفل الكبير لا تبكي مثل أخوك الصغير، أو لا تجلس في حضني مثل الصغار، أو لا تشرب من زجاجة الحليب العائدة لأخيك الصغير.
3- إعطاؤه جملة من الامتيازات:
لابد من إشعار الطفل بأنه كبير، وأن الاهتمام بالصغير لعجزه وعدم مقدرته، إضافةً إلى إعطائه جملة من الامتيازات لأنه كبير، فلا يصح الاهتمام بالوليد دون أن يحصل هو على امتيازات الكبار، ولابد من الحرص على إعطائه بعض الأشياء لأنه كبير، مثل أن تخصه بقطعة من الحلوى مع القول له: هذه لك لأنك كبير، ولا تعطيها لأخيك لأنه صغير، وهذه اللعبة الجملية لك لأنك كبير، أما هذه الصغيرة فهي للصغير. وكذلك يجب الحذر من إعطائه لعبة بعنوان أنها هدية له من أخيه الوليد، لأن هذا التصرف يوحي له بالعجز عن تقديم هديه لأخيه مثلما فعل الأصغر منه، فتزيد غيرته.
4- أرفضي إيذاءه واقبلي مشاعره:
لابد أن تمنعي بحزم محاولة الطفل الكبير إيذاء أخيه الصغير، بأن يرفع يده ليهوي بها عليه، بأن تمسكي يديه أو الحاجة التي يحملها لضربه، ومع ذلك امسكيه واحضنيه بعطف واحمليه بعيداً عن أخيه، لأن الطفل بالحقيقة لا يريد إيذاء أخيه، ولكن سوء تعامل الوالدين واهتمامهم بالرضيع دونه دفعة إلى هذا الفعل، لذلك ينبغي على الأم أن تمنع الأذى وتقبل مشاعره الغاضبة عنده لأنه لا يملك القدرة على التحكم بها.
تحقيق رنا إبراهيم