صرفتُ مالي عليه لكي يحبّني

لماذا نحبّ هذا الشخص وليس ذاك؟ لماذا نتنازل له عن أشياء عزيزة علينا؟ ولماذا نبقى معه حتى لو لم نكن سعداء؟ تلك الأسئلة طرحَها ملايين العشاق لِبعضهم أو لأنفسهم والجواب الذي وصَلتُ إليه هو أنّنا نرى بالآخر أشياء تهمّنا لِدرجة أنّنا ننسى مبادئنا وقراراتنا. ولكن وبِغالب الأحيان تلك الصفات ليست موجودة، بل زرَعناها فيه لنقنع أنفسنا بأنّه الإنسان المنتظر. كل هذه المقدّمة لأقول أنّني هدرتُ سنين مِن حياتي أكترثُ لِرجل لم يرَ فيّ سوى المنفعة الماديّة وسأروي قصّتي ليستفيد الجميع مِن خبرتي.

تعرّفتُ على وائل في السوبرماركت يوم كنتُ أشتري حاجات بيتي. كنتُ أسكن لوحدي في غرفة إستأجرتُها قرب الجامعة لأنّ منزل أهلي كان بعيداً جدّاً عن مكان دراستي. ففي ذلك اليوم أوقعتُ بعض المنتجات عن الرّف، فأسرعَ شاب لِمساعدتي في أعادتها إلى مكانها. شكرتُه بحرارة وإبتسمَ لي ووجدتُه وسيماً. وقال لي:

 

ـ لم أرّكِ هنا مِن قبل...

 

ـ أجل... إنتقلتُ للعيش في المدينة مِن أسبوع وها أنا أتعرّف على المتاجر المجاورة لأتدبّر أموري... أهلي يرسلون لي المال وأحتار كيف وأين أصرفه...

 

ـ إسمي وائل.

 

ـ وأنا رجاء.

 

وتبادلنا أرقام الهاتف لأنّه عرَضَ عليّ أن يجول بي في المدينة ليدلنّي على الأماكن التي قد تهمّني. وهكذا إلتقينا مرّة ثانية ووجدتُ فيه إلى جانب الوسامة قلباً جميلاً وآخلاقاً حسنة. وكيف إستنتجتُ ذلك بعد لقاء واحد؟ لا أعلم ولكنّني فعلتُ.

وبدأتُ أفكرّ به كثيراً وأحلم أنّه معجب بي وأنّنا سنكون سعداء سويّاً كما تفعل أي فتاة في التاسعة عشر مِن عمرها. أمّا هو فكان في الخامسة والعشرين وكان قد ترَكَ دراسته باكراً ليتفرّغ إلى هوايته وهي التصوير ولكنّه وحسب قوله لم يكن محظوظاً لذا لم يكن يعمل إلاّ نادراً. فحين تعرّفتُ إليه كان عاطلاً عن العمل يسكن في شقّة صديقه الرسّام الذي لم يصل بعد هو الآخر إلى الشهرة.

 

وحين زارَتني أمّي لترى كيف أحوالي أخبرتُها عن وائل وسألَتني بالطبع عن أوضاعه فإختلقتُ لها الأعذار ولكنّها قالت لي:

 

ـ حبيبتي رجاء... أنتِ فتاة جامعيّة وإبنة رجل أعمال ناجح... أبوكِ يعمل جاهداً في الخارج ليؤمِّن لنا الحياة الجميلة التي تنعمين بها... صنَعَ نفسه بنفسه... هكذا هم الرجال الناجحين... أمّا ذلك الشاب فهو معدوم الطموح...

 

ـ إنّها فترة إنتقاليّة... سيجد فرصته قريباً... أنا متأكدّة مِن ذلك... وأظنّ أنّه يحبّني.

 

ـ تظنّين؟ ألم يصرّح لكِ بحبّه بعد؟

 

ـ لا... أنّه خجول بعض الشيء.

 

ـ مِن الصور التي رأيتُها له أستنتج أنّ لديه معجبات كثيرات... فهو وسيم.

 


ـ أجل ولكنّه يريدني أنا!

 

ـ حبيبتي... أنتِ جميلة ولكن... لا تنسي أنّكِ قصيرة القامة ولديكِ وزناً زائداً... ولا أظنّ أنّ هكذا شاب سطحيّ يحبّ هذه المواصفات بل يبحث عن فتيات رشيقات.

 

ـ كيف تقولين لي ذلك؟ أنتِ أمّي!

 

ـ لأنّني أمّكِ يمكنني أن أكون صريحة إلى هذا الحدّ معكِ... لن يحبَّكِ أحد مثلي... وائل ليس مناسباً لكِ.

 

وبالرغم أنّ أمّي كانت على حقّ فلم أسمع منها. وصحيح أنّ قوامي لم يكن جميلاً ولكنّني إعتقدتُ فعلاً أنّ وائل لن يتوقّف عند هكذا أمور. ولكنّني كنتُ مخطئة. فبعد فترة قصدَني حبيبي بطلب. أخبرَني أنّه وجدَ عملاً في مجال التصوير ولكنّه بحاجة إلى كاميرا حديثة لإنجازه وسألَني إن كان بإمكاني مساعدته في شرائها وأنّه سيرجع لي مالي حالما يدفعون له. وبالطبع قبلتُ خاصة بعدما قال لي أن ذلك العمل سيؤمِّن له حياة أفضل وسيستطيع التفكير بالإرتباط الزوجي.

ومع أنّه لم يقل أن الإرتباط سيكون معي ركضتُ أطلب مِن أمّي المال تحت ذريعة أنّني أريد متابعة دروس صيفيّة في الجامعة. وأعطيتُه المبلغ المطلوب وإشترى الكاميرا وبدأ بالتصوير ولكن أحواله لم تتحسّن. فبقيتُ أدفع الحساب في المطاعم في الأوقات القليلة التي كنّا نخرج فيها لأنّنا لم نكن نرى بعضنا كثيراً. ذهبتُ بضعة مرّات لأراه حيث يسكن ولكنّني لم أكن مرتاحة للأجواء السائدة هناك. فكان المكان مليئاً بالفوضى وقلّة النظافة والترتيب وبالناس التي كانت تأتي وتذهب بصورة مستمرّة خاصة البنات الجميلة.

وعندما سألتُ وائل عن تلك الفتيات أجابَني أنّها تأتي لكي يرسمهنّ صديقه. وبالرغم أنّني صدّقته لم أشعر بالإطمئنان ربما بسبب ما قالَته أمّي بشأن بدانتي. أمّا بالنسبة للجانب الحميم مِن علاقتنا فلم يحدث شيئاً بيننا سوى بضعة قبلات لأنّ وائل كان وحسب قوله "يحترمني إلى حدّ كبير وهو مستعدّ أن يتغاضى عن حاجاته الجسديّة مِن أجلي." وبالطبع كنتُ فخورة بهكذا رجل ولكنّني كنتُ فضّلتُ لو أعربَ عن نوع مِن الشهوة تجاهي لأشعر بأنوثتي ولو بعض الشيء.

 

وبقينا على هذا الحال إلى ما بعد أن نلتُ شهادتي في العلوم السياسيّة وبدأتُ العمل في إحدى الوزارات بفضل علاقات أبي. ولم يتغيّر شيء سوى أنّ مصروف وائل وصديقه زادَ إلى درجة أنّني أصبحتُ أدفع لهم شبه راتب وكل ذلك ليحبّني وائل وليقرّر يوماً أن يتزوّجني. وحجّته كانت أنّه لن يفعل حتى أن يجد مدخول يخوّله أن"يستحقّني." ولكنّه لم يكن يحاول حتى أن يعمل. وفي ذاك يوم قالت لي إحدى صديقاتي:

 


ـ أراهن أنّه لا يحبّكِ ولا يشتهيكِ حتى! كل ما يريده هو مالكِ... ولا بدّ أنّ له حياة خاصة لا دخل لكِ فيها! مِن المؤكدّ أنّه لا يلمسكِ ولا يريد الزواج منكِ لأنّكِ لا تستهوينه جسديّاً... لا يأخذكِ إلى أيّ مكان ولا يعرّفكِ إلى أحد وكأنّه يخجل منكِ... أو أنّه لا يريد أن يعرف الناس أنّه مرتبط... كم أنتِ غبيّة... لا تدركين ما نعرفه جميعاً... أصبحتِ أضحوكة بين الناس... لِما لا تتركيه؟ أو لِما لا تنحفين وتهتمّين بمظهركِ؟ وسنرى كيف سيتغيّر تصرّفه معكِ.

 

ـ وائل يحبّني كما أنا! لا يهمّه الشكل بل الجوهر... يحترمني إلى أقصى درجة ولا يريد معاملتي كسائر النساء... وجواباً لِما قلته فليس لديه أحداً سواي في حياته فإنّه يحفظ نفسه لي!

 

ولكنّ حديث صديقتي بقيَ في ذهني لأنّني علِمتُ ضمنيّاً أنّ شيئاً لم يكن على ما يرام في علاقتنا فلم أكن غبيّة بل كان الحبّ قد شلّ قدراتي العقليّة ومع الوقت بدأتُ أدركُ أمور لم أكن أنتبه إليها سابقاً. فقصدتُ أخصّائيّة تغذية وبدأتُ حمية إلى جانب تمارين رياضيّة منتظمة. وبعد فترة أصبحَ قوامي جميلاً. وفي ذاك يوم نظرَ إليّ وائل بإعجاب خاصة أنّني كنت أرتدي فستاناً ضيقاً أظهر مدى نحافتي وقال لي:

 

ـ ما إجملكِ... تذكرّينني بتلك الفتيات التي... التي تأتي لِيرسمها صديقي... ما رأيكِ لو ذهبنا إلى الشقّة لنكون لوحدنا...

 

ـ هذه أوّل مرّة تعرض عليّ ذلك... ما حصلَ لقراركَ بعدم لمسي حفاظاً على سمعتي وكرامتي؟

 

ـ أجل... ولكن...

 

ـ انا آسفة ولكنّني لن أقبل إلاّ إذا أعطيتَني تفسيراً لهذا التحوّل.

 

ـ حسناً... قبل أن تنحَفي لم أكن أريدكِ... أعني لم تثيري إعجابي... أعني أنّكِ كنتِ بدينة وبشعة وأشمئزّ منكِ... وكان صديقي وكل مَن رآكِ يسخر منكِ... الآن أستطيع أخذكِ معي أينما أذهب.

 

- ولماذا بقيتَ معي؟

 

- كنتِ تمدّينَني بالمال...

 

- كنتَ تخجل منّي وتستغلنّي... تأخذ المال منّي لتصرفه على نفسكَ وعلى فتيات أخروات...

 

ـ ولكنّ الأمر أصبح مختلف الآن!

 

ـ صحيح ذلك... فهذه آخر مرّة تراني فيها... أضعتُ سنوات مِن حياتي أنتظر إشارة منكَ تدلّ على حبّكَ لي... لِمعلوماتكَ... الذي يحبّ فعلاً لا يكرَه عيوب الآخر بل يعشقها... بدانتي ليست قباحة إلاّ في نظركَ... أنتَ رجل سطحي وفاشل تعيش مِن فضلات الناس وتكذب على مَن حولكَ بإستمرار... لم أعد أريدكَ!

 

ـ لأنّكِ أصبحتِ نحيفة؟

 

ـ لا... بل لأنّني أصبحتُ ذكيّة.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button