أحببتُها طوال حياتي رغم فارق السِن الشاسع

قصّتي مع نورا بدأت قبل خمسة وعشرين سنة وإنتهَت يوم وفاتها. وبالرغم مِن الحزن العميق الذي شعرتُ به عندما ماتَت ذقتُ أخيراً طعم الحريّة. كانت تلك المرأة حبّي الأوّل وربّما الأخير رغم طوقي لحبّ أخروات لأنّها جعَلَت منّي سجينها طوال سنين خلتُها لن تنتهي.

كنتُ في الخامسة عشر عندما وضَعَت جارتنا نورا يدها على يدي وإمتلَكني إحساس لم أعرفه مِن قبل. وحين نظرَت إلى وجهي ورأت إرتباكي ضَحِكَت وقالت لأمّي:"يا للفتى الظريف... أنظري كيف إحمرّ وجهه." وضحكَت والدتي أيضاً وأكملَتا حديثهما. أمّا أنا فمنذ تلك اللحظة صرتُ مهووساً بتلك المرأة الجميلة دون أن أعلم أنّها ستغيّر حياتي كلّها لأنّها إعتبرَتني لعبتها الصغيرة الخاصة بها.

وبالرغم مِن إفتتاني بها كنتُ معجباً أيضاً بإبنتها نوال التي كانت تصغرني بِسنة واحدة وكنّا نلتقي عندنا في البيت أو عندهم ونجلس ونتكلّم عن المدرسة وعن الأغاني والكتب والأفلام. وما كان يجمعنا كان شيئاً بريئاً وجميلاً بينما كنتُ أشتهي أمّها وأحلم بها ليلاً.

قد يجد البعض الأمر طبيعياً فلطالما كان الشبّان مفتونين بنساء أكبر منهم سنّاً ولكن الأمر عادة لا يتعدّى الإعجاب أو حتى مغامرة عابرة سرعان ما تنتهي. ولكن في حالتي لم يتسنى لي الهرب مِن مخالبها. لماذا؟ لأنّ نورا كانت تحبّ أن تستملك الناس وتلعب بهم فكان زوجها بمثابة خادم لها وإبنتها مخلوقة ضعيفة لا تستحقّ حتى الإهتمام. فحين لاحظَت نورا أنّني أتقرّب مِن نوال أسرَعَت بإرسالها إلى مدرسة داخليّة مشهورة خارج البلد. ولم يعلم أحد بسبب ما فعلَته بإبنتها لأنّها أقنعَت الجميع أنّ تلك هي أفضل طريقة لتأمين مستقبل لامع لها.

أسِفتُ لِرحيل صديقتي لأنّها كانت مصدر سعادة لي ولكنّني فرحتُ لها لأنّها كانت ستحظى بتعليم مميّز.

 


وبعدما أزاحَت إبنتها مِن الطريق قرّرَت نورا البدء في مغازلَتي وبجديّة. ففي ذات ليلة وبينما كان والديَّ يتحضرّان للخروج رأيتُ نورا آتيه إلى منزلها وبِيدها حقيبة صغيرة. ركضَت أمّي إليها وعانقَتها قائلة:"أشكركِ على هذه الخدمة." وإستدارَت نحوي وأضافَت:"حبيبي... ستبقى نورا معكَ الليلة." نظرتُ إليهنّ بدهشة وقلتُ:"لماذا؟ لستُ ولداً صغيراً! وليست هذه أوّل مرّة أبقى لوحدي في غيابكما."

إقتربَت منّي نورا ووضَعَت أناملها في شعري ونظَرَت إليّ بحنان وقالت لي:"أجل... لم تعد صغيراً... ولكنّ زوجي مسافر ونوال بعيدة... وهكذا نسلّي بعضنا... أم تفضّل أن أعود إلى بيتي؟"

وبالطبع لم أستطع رفض هكذا عرض خاصة بعدما بدأ قلبي يخفق بسرعة فائقة وإمتلأ رأسي بأفكار مُخجلة.

وفور خروج والدَيّ دخَلت نورا الحمّام وخَرَجَت مرتدية قميص نوم شفاّف. لا أستطيع تذكرّ كيف بدأ الأمر ولكنّني وجدتُ نفسي بين ذراعيها أمارس الجنس معها. في تلك الليلة شعرتُ بِسعادة لا توصَف وبِفخر عميق بأنّني وأخيراً أصبحتُ رجلاً. وحين إنتَهينا قالت لي نورا:

 

ـ لا يجب أن يعلم أحد بما جرى بيننا... مفهوم؟

 

ـ مفهوم...

 

ـ سأعلّمكَ أشياء كثيرة... سترى... ما إختبرَته الليلة لا شيء مقارنة بالذي آتٍ.

 

وكانت على حق. فكلّما غابَ أهلي أو سافرَ زوجها أو كان لدينا ولو ساعة لوحدنا كانت تنقضّ عليّ وكنّا نمارس الجنس بطرق لم أتخيّلها موجودة لِدرجة أنّني لم أعد أفكرّ بشيء آخر. كانت قد إستملكَت جسدي وعقلي.

ومرَّت الأيّام والأشهر والسنين وماتَ زوجها وزادَ تعلّقها بي. أمّا أنا فكنتُ عبدها وكنتُ أحبّ ذلك لأنّني لم أختبر الحياة إلاّ معها ولم أكن أعلمَ كيف يكون الحب الحقيقيّ أو العلاقة السليمة. وبقيَ الوضع على ما هو حتى أن بدأتُ العمل بعد تخرّجي مِن الجامعة. كنتُ قد قُبِلتُ في شركة معروفة وكنتُ فخوراً بنفسي لأنّني إستطعتُ الوصول إلى ذلك المركز رغم علاماتي المتدنيّة بسبب إنشغالي بِنورا. ولم أكن أعلم حينها أن أبي توسّطَ لي مع المدير لكي يوظّفني. وهناك بدأتُ أختلط بالناس وأكوّن شخصيّتي بعدما كانت عشيقتي قد عمَلَت على تحطيمها لكي تسيطر عليّ كليّاً.

 

ومع مرور الوقت بدأتُ ألاحظ زميلاتي وأستمتع بوجودهنّ حولي. وكانت رجاء إحدهنّ وبفضل إهتمامها بي ومساعدتها لي بدأتُ أشعر بشيء تجاهها. ولكنّني علِمتُ فوراً أنّها ليست مثل نورا بل كانت إنسانة رقيقة وعطوفة ولم أجرؤ على التعاطي معها لأنّني لم أكن أدري كيف وماذا أفعل. ففضّلتُ الإبتعاد عنها خاصة أنّني كنتُ أعلم أنّه لم يكن مسموحاً لي ولو ضمنيّاً أن أعرف أحداً سوى نورا. والحقيقة كانت أنّني كنتُ أخاف منها لأنّني رأيتُ كيف كانت تعامل كل مَن وقفَ في طريقها خاصة بعدما أخبرَتني كيف أبعَدَت إبنتها نوال ونَفَتها إلى بلد بعيد لتنال منّي. ولكنّ رجاء أحبَّتني ولم ترَ سبباً لتركي وشأني خاصة أنّني كنتُ عازباً وشاباً مثلها فبقيَت تحوم حولي حتى أن خَلَقَت بقلبي شعوراً جميلاً عرفتُ لاحقاً أنّ إسمه "الحب".

 


وبعد جهود كبيرة إستطاعَت رجاء إخراجي مِن قوقَعتي وبدأنا نتواعد سرّاً لأنّني تحجّجتُ بأنّ ذلك لم يكن مقبولاً في الشركة ولكنّني كنتُ خائفاً مِن نورا. ولكن ما مِن شيء يبقى سرّيّاً خاصة عند إمرأة مثل عشيقتي التي لاحظَت فتوراً لديّ تجاهها وبدأَت تطرَح الأسئلة حتى أن إنتشلَت منّي الحقيقة. عندها تحوّلَت إلى كائن بغيض وبدأت تهدّد وتُقسم وتشتم. وعدتُها أن أنهي علاقتي بِرجاء ولإثبات حسن نيّتي مارستُ الجنس معها بِشغف. ولكنّني كذبتُ عليها لأنّني كنتُ قد أحببتُ فعلاً زميلتي وعاودتُ رؤيتها.

ولم أتصوّر أن تقرّر نورا مراقبتي وملاحقتي ليلاً نهاراً حتى أن إكتشفَت كذبتي. وإنتظرَت حتى أن قصَدتُ بيتها لِتريني ما يمكنها فعله. فبعد أن وصلتُ ببضع دقائق وقفَت نورا أمامي وبدأَت تمزّق ثيابها وتخدش ذراعَيها. نظرتُ إليها بِذهول وصرختُ لها:

 

ـ ما الذي تفعلينَه؟؟؟

 

ـ أحضرّ الإثباتات على إغتصابكَ لي.

 

ـ هل جننتِ؟؟ لم ألمسكِ بعد!

 

ـ صرخة واحدة منّي وستُرمى بالسجن لوقت طويل! أيّها الخائن المنحط! رأيتُكَ مع تلك الفاسقة! هل ظننتَ أنّ بإمكان حشرة مثلكَ أن تغشّني؟ أنتَ لي! أفهمتَ؟

 

وبالطبع فهمتُ الرسالة وذهبتُ أنهي علاقتي بِرجاء خوفاً مِن الفضيحة لأنّني كنتُ متأكدّاً أنّ نورا لن تتردَّد على تنفيذ تهديداتها. وعُدتُ إلى حياة الإستعباد وأصبتُ باليأس خاصة أنّ مع الوقت بدأَت نورا تكبر وبصورة ملحوظة ولم تعد تستهويني وكان يلزمني تركيزاً قويّاً لتأدية واجباتي الجنسيّة معها. وتوقّعتُ منها أن تعتقَني خاصة بعدما أصبحَت غير قادرة على التحرّك بسبب مرض أصابَ مفاصلها ولكنّها بقيَت متمسّكة بي.

قد يستغرب المرء عن عدم تركي لها بعدما شاخَت ولكنّ تأثيرها عليّ كان كبيراً ربمّا لأنّها ألقَت شباكها عليّ عندما كنتُ مراهقاً وكانت تمثل بالنسبة لي الأم والعشيقة والمعلّمة فكيف لي ان أفلِتَ منها؟

وبعد بضعة سنين ساءَت حالتها كثيراً بعدما شُخِّصَ لها مرضاً خبيثاً وجاءت إبنتها نوال مِن الغربة مع ولدَيها لِتراها. وبعد أن وصلَت وكلّمَتها جلستُ مع صديقتي القديمة نتحدّث. وسألَتني نوال لماذا أنا مع أمّها أهتمّ بها. عندها وجدتُها فرصة لأحكي لأحد قصّتي التي أبقيتُها سرّية طوال حياتي. وبعدما إنتهيتُ مِن الكلام قالت:

 

ـ ربما أنا الإنسانة الوحيدة التي يمكنها تفهّم وضعكَ... أعرف ما تستطيع أمّي فعله بالناس وأنا خير دليل على ذلك... دَعني آخذها إلى دار لِلعجزة وإذهب أنتَ للبحث عن حياة طبيعيّة.

 

- لا... لطالما كانت نورا ملِكة بين الملِكات... لن أقبلَ أن تقضي آخر أيّامها هكذا.

 

ورحلَت نوال وبقيتُ مع أمّها حتى آخر دقيقة. وحين أغمضَت نورا عيونها على الدنيا بكيتُ كالطفل وأدركتُ أنّني لن أحبّ أحداً بهذا القدر وكل اللوات ستأتَين مِن بعدها لن تكون سوى نسخات مشوّهة عنها.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button