أجبرتني على التزوج من رجل عاجز جنسيّاً

يوم توفَّت أمّي لم أكن أعلم بعد أنّ حياتي ستتغيّر كلّها وأنّني لن أسترجع أبي أبداً ولن أعيش حياة طبيعيّة. والسبب في كلّ ذلك كانت سوسَن المرأة التي تزوّجها والدي بعد أقل مِن ستّة أشهر. ورغم صدمَتي عندما علِمتُ بذلك الزواج قرّرتُ أن أستقبل العروس بأذرع مفتوحة. ولكنّها لم تكن آتيه بنيّة صافية بل كانت ومِن قبل دخولها منزلنا قد قرَّرَت التخلّص منّي وبأسرع وقت لكي تبقى لوحدها سيّدة البيت.

ومع أنّني لم أكن قد بلغتُ بعد السابعة عشر مِن عمري بدأَت تلك المرأة بالبحث عن عريس لي. لم أكن أفكرّ بالزواج لأنّني كنتُ أنوي الدخول بعد سنة إلى الجامعة لِمتابعة دروس في الكيمياء مادتي المفضلّة لأصبح عالمة شهيرة وأكتشف أشياء جديدة قد تحمل أسمي يوماً.

وأرسلَت سوسَن صديقاتها للبحث عن أحد لي ولأنّها كانت على عجلة مِن أمرها إختارَت شاباً غنيّاً ولكن غير قادر على الزواج بسبب عجز جنسيّ. وعندما أطلعَت أبي على الموضوع لم تقل له أو لي أنّه غير صالح بل ركزَّت على عائلته وعلى ثروته الهائلة وأقنعَته أنّها لا تبحثُ إلا عن سعادتي وعن تأمين مستقبل لامع لي. ووافقَ والدي طبعاً لأنّ أحوالنا كانت عاديّة جداً ولأنّه ظنّ أنّه هكذا يؤدّي لي خدمة كبيرة. حاولتُ طبعاً أن أرفض لأنّني كنتُ أودّ متابعة دراستي ولأنّني كنتُ لا أزال صغيرة لأتحمّل أعباء الزواج ولكن سوسَن كانت أقوى منّي ولديها وسائل إقناع لا تمتلكها إلاّ إمرأة ناضجة وماكرة.

وجاء أهل زياد لزيارتنا والكلّ إتفّقَ على موعد الزفاف ولم يستشرني أحد بهذا الخصوص. إلتقيتُ بعريسي مرّة واحدة وبالرغم مِن ثرائه ووسامته لم أُعجَب به لأنّه لم يُعرني أهميّة خاصة. كان قد وافقَ عليّ فقط لتجنّب الإحراج لِعدم قدرته على الزواج. ولأنّني كنتُ الوحيدة التي لم يناسبها هذا المشروع لم أقدر أن أقف بوجههم كلّهم. وبعد أقل مِن شهر تزوّجنا وذهبنا بعد الإحتفال الضخم الذي أُقيمَ لنا إلى قضاء شهر العسل في الجزر اليونانيّة. ولكن خلال كل تلك الفترة لم يلمسني زياد بل بقينا كل واحد منّا نائم في سرير منفرد. وبالرغم مِن جهَلي في أمور الحياة وجدتُ ذلك غريباً ولكنّني ظننتُ أنّ الأمور ستختلف عندما نعود إلى البلد. قضينا وقتاً ممتعاً هناك ونسيتُ أنّ زوجي لم يعاشرني كما يفعل عادة العرسان الجدد. وبعد عودتنا ذهبنا نعيش في منزله مع والدّيه وأخيه الصغير. المكان كان كبيراً كفاية لِيتّسع لنا جميعاً ولكنّني فوجئتُ كثيراً عندما أخذَني زياد إلى غرفة وقال لي:

 

ـ هذه غرفتكِ.

 

ـ غرفتي؟ تقصد غرفتنا.

 

ـ لا... غرفتي هناك.

 

ـ ولكن...


ـ لا أحبّ أن أتقاسم غرفتي مع أحد... أنا معتاد على النوم لوحدي.

 


لم أقل شيئاً لأنّني شعرتُ ومنذ دخولي المنزل أنّني غريبة فيه بعدما رأيتُ الأثاث الفاخر والسجّاد الثمين والثريّات الضخمة التي كانت تُنير المكان. سكتُّ لأنّني إعتقدتُ أنّ زوجي سيأتي إلى غرفتي في الليل ولكنّه لم يفعل. وبعد بضعة أيّام سألتُه لماذا لم يكن يريد ممارسة حقوقه الزوّجية معي فبدأ بالصراخ والتهديد. نظرتُ إليه بدهشة لأنّني لم أنتظر منه هكذا إنفعال وأظنّ أنّه كان سيستمرّ بالصراخ لولا دخول أخيه طارق الذي أخذَني بعيداً وقال لي:

 

ـ إسمعي... أخي ليس إنساناً بغيض ولكن هذا الموضوع يزعجه...

 

ـ لماذا؟ ما السبب؟

 

ـ لا أعتقد أنّ مِن واجبي الإجابة على هذا السؤال... تبدين فتاة صالحة ومهذّبة ولا أريد أن أراكِ تتعذّبين... أرجوكِ... لا تثيري هذا الموضوع معه مجدّداً!

 

وبالرغم مِن تحذيراته لم أستطع السكوت خاصة بعد مرور أشهر طويلة على زواجنا. فكان مِن الواضح أنّ هناك خطب ما وكل ما أردتُ معرفته هو أذا كان لي دخلاً بالموضوع أم لا. لذا عدتُ أسأل زياد عن سبب برودته معي. وعندما فعلتُ قال لي بلهجة مليئة باللؤم:

 

ـ ما الذي لا تفهميه؟ لا أريد التكلّم بالموضوع! عليكِ نسيان الأمر!

 

ـ ولكن... لديّ حقوق!

 

ـ حقوق؟ هذه حقوقكِ!

 

وصفعَني بقوّة ووقَعتُ أرضاً وبدأتُ بالبكاء. خرجَ زياد مِن الغرفة وركضَ أخوه يواسيني قائلاً: "لقد نبّهتُكِ."

 

وبالرغم أنّني لم أفاتحه بالموضوع مجدّداً بقيَ يتصرّف معي بفظاظة وسط تجاهل والدَيه الذَين لم يتدخّلا ولو لمرّة أو يحاولا ردّه عنّي.

وكلّما نظَر إليّ زياد رأى فيّ عجزه وبمحاولة لإنكار حالته بدأ يصبّ غضبه عليّ وكأنّني أنا المسؤولة. وبالطبع فهمتُ ما كانت مشكلته وغلطتي الكبيرة كانت حين عرضتُ عليه في ذاك يوم أن يرى أخصّائي. عندها بدأ يضربني بوحشيّة لم أتخايلها موجودة. ومِن كثرة الضرب أُغميَ عليّ وعندما فتحتُ عينيّ لم أجد بقربي سوى طارق الذي كان ينظر إليّ بحزن عميق. وأخذَني إلى سريري وتوسّلني إلاّ أتكلّم مع زوجي عن شيء أبداً، فأجبتُه:

 


ـ تريدني أن أعيش حياتي كلّها دون أن أشعر بعطف زوجي وحنانه؟ وماذا عن الأولاد؟ كيف سأنجبهم؟ بالحلم؟ لا أستطيع المتابعة! لا أستطيع أن أُضرَب وكأنّني حيوان! لماذا لا يتدخّل أحد لِمَنعه مِن معاملتي هكذا؟

 

ـ لأنّهما يخافان منه... أنتِ لا تعرفينه...

 

ـ لا... لا أعرفه لأنّني لم أرِد حتى الزواج منه... أرغموني به... ولم يقولوا لي أنّه عاجز... المجرمون!

 

ـ أرجوكِ... أهدئي... لا تدعيه يسمعكِ... وإلاّ...

 

وأخذتُ بنصيحة طارق ولم أعد أكلّم زياد بشيء حتى أنّني تصرّفتُ وكأنّني غير موجودة وهو فعلَ نفس الشيء. وبدأ جحيمي الفعلي بعدما شعرتُ أنّني معزولة تماماً خاصة بعد أن حاولتُ أن أشرحَ لأبي كيف أعيش ولكنّه لم يقبل أن أرجع إلى البيت تحت ذريعة أنّ ذلك لايجوز. لذا أصبتُ بكآبة لا حدود لها وتمنّيتُ الموت لنفسي وفقدتُ صحّتي ولم يأبَه أحد أن يسأل عن سبب لوني الشاحب وفقدان وزني. وأصبحتُ كالشبح أمشي في البيت أبكي وأطلبُ مِن الله أن يأخذني إليه. وبعد أشهر جاء طارق وهمسَ لي:

 

ـ وافيني في الصالون.

 

وجلسنا سويّاً وقال لي:

 

ـ هناك إبنة عمّ أبي... وليست على علاقة جيّدة معه... هي ثريّة أيضاً وتسكن في قرية بعيدة جدّاً عن المدينة... لا أحد يزورها ولا تزور أحداً... كلّمتُها عنكِ وعرضَت أن تستقبلكِ عندها... لن يخطر على بال أهلي أو زياد أنّكِ عندها فلم ترَكِ بحياتها ولم تكن مدعوّة حتى للزفاف...

 

ـ تريدني أن أهرب.

 

ـ أجل... لا أتحمّل رؤيتكِ هكذا.. وأخاف عليكِ... أنتِ الأخت التي لم يُنجبها أهلي... إسمعيني جيّداً... سأقول لكِ متى يحين الوقت لِتوضّبي بعض الأمتعة وسآخذكِ إليها... تصرّفي بشكل طبيعيّ في هذه الأثناء.


عانقتُ طارق بقوّة وشكرتُه بحرارة وإنتظرتُ إشارة منه. وبعد حوالي الأسبوع همَسَ لي:" الليلة". وكان زياد سيذهب مع والدَيه إلى حفل عشاء لم أكن مدعوّة إليه لذا كان بإستطاعتي ركوب سيّارة الأجرة التي كانت تنتظرني لتقلّني إلى مكان حيث ترجّلتُ وأخذتُ سيّارة أخرى لكي لا يتتبّع أحد طريقي. وبعد ساعات وصلتُ القرية المذكورة وبيت تلك المرأة التي قَبِلَت أن تساعدَني. وعندما دخلتُ منزلها قالت لي وهي تبتسم لي:"هنا ستكونين بأمان."

ولَم يعثر عليّ أحد وعلِمتُ مِن طارق أنّ أخوه طلّقَني بعدما أخبرَ الجميع أنّني هربتُ مع عشيق ما. وإرتاحَ قلبي وإستطعتُ أن أسجّل نفسي بالجامعة كما كان مِن المفروض أن أفعل. وأخذتُ غرفة في منزل للبنات أمكث فيها خلال الأسبوع لأعود في العطلة عند إبنة العمّ التي بدأتُ أعتبرها أمّي الثانية والتي وعدَتني بإرسالي إلى الخارج للتخصّص.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button